أسائل عنها الركب وهي مع الركب ... واطلبها من ناظري وهي في القلب.
وبعده البيت المستشهد به وبعده:
فلله ربع من أميمة عاطل ... توشحه الأنداء باللؤلؤ الرطب.
رميت محيا دارهم عن صبابة ... بسافحة الإنسان سافحة الغرب.
أروي بها خدي وفي القلب غلتي ... وقد يتخطى الغيث أمكنة الجدب.
فسر نتعلل بالحديث عن الهوى ... ونسند إلى أحبابنا أثر الحب.
ولا تتعجب أني عشت بعدهم ... فإنهم روحي وقد سكنوا قلبي.
وحرف تجوب القاع والوهد والربى ... كحرف مديم الرفع والجر والنصب.
نجائب يقدحن الحصى كل ليلة ... كأن بأيديها مصابيح للركب.
ومن المطابقة باللف والنشر المرتب أيضاً قول الشريف الرضي رضي الله عنه:
يا روض ذي الأثل من شرقي كاظمة ... قد عاود القلب من ذكراك أشجانا.
أوسعت عيني دموعا والحشا حرقا ... فكيف ألفت أماها ونيرانا.
وما أحسن قوله بعده وهو من المرقص المطرب:
أشم منك نسيما لست أعرفه ... أظن ظمياء جرت فيك أردانا.
ومنها:
ألقاك والقلب صاح من رجيع هوى ... وأنثني عنك بالأشواق نشوانا.
وما تداويت من قرح على كبدي ... ولا سقاني راقي الحب سلوانا.
ومن المطابقة على الوجه المذكور قوله أيضاً:
تلذ عيني وقلبي منك في ألم ... فالقلب في مأتم والعين في عرس.
وقوله في المعنى أيضاً:
قلبي وطرفي منك هذا في حمى ... قيظ وهذا في رياض ربيع.
وقد أكثر الشعراء من نظم هذا المعنى، فقال أبو تمام:
أفي الحق أن يضحى بقلبي مأتم ... من الحب والبلوى وعيناي في عرس.
وقول المتنبي:
حشاي على جمر ذكي من الهوى ... وعيناي في روض من الحسن ترتع.
وقال آخر وهو شاهد لما نحن فيه من المطابقة باللف والنشر غير أنه معكوس الترتيب:
تصلى الفؤاد بنور من محاسنها ... فالعين في جنة والقلب في نار.
وأبو تمام رفع طبقة المطابقة بالاستعارة في قوله:
وأحسن من نور تفتحه الصبا ... بياض العطايا في سواد المطالب.
وألبسها حلة المشاكلة وملكها رق الاستعارة في قوله:
فتى عنده خير الثواب وشره ... ومنه الإباء المر والكرم العذب.
وأما المتأخر ون فأكثروا من إبرازها في أشعار التورية التي هي أعلى وأحلى أنواع البديع على القول المتصور.
فمن ذلك قول الصاحب فخر الدين بن مكانس في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:
يا بن عم النبي إن إناسا ... قد توالوك بالسعادة فازوا.
أنت للعلم في الحقيقة باب ... يا إمامي ومن سواك مجاز.
وقول جمال الدين بن نباتة:
يا غائبين تعللنا لغيبتهم ... بطيب عيش ولا والله لم يطب.
ذكرت والكأس في كفي لياليكم ... فالكأس في راحة والقلب في تعب.
وقوله:
إني إذا آنست همسا طارقا ... عجلت باللذات قطع طريقه.
ودعوت ألفاظ الحبيب وكأسه ... فنعمت بين حديثه وعتيقه.
وقول العفيف التلمساني:
وفي الحي هيفاء المعاطف لو بدت ... مع البان كان الورق فيها تغننت.
عجبت لها في حسنها إذا تفردت ... لآية معنى بعده قد تثنت.
وقول الصالح الصفدي:
وأهيف حاز قدا ... قد حار فيه المعنى.
تراه في الحسن فردا ... لكنه يتثنى.
وقول البدر الذهبي:
وحديقة مطلولة باكرتها ... والشمس ترشف ريق أزهار الربى.
يتكسر الماء الزلزال على الحصى ... فإذا غدا بين الرياض تشعبا.
وقول السراج الوراق:
وبي من البدو كحلاء الجفون بدت ... في قومها كمهاة بين آساد.
بنت عليها المعالي من ذوائبها ... بيتا من الشعر لم يمدد بأوتاد.
وأوقدت وجناتها النار لا القرى ... لكن لأفئدة منا وأكبادا.
فلو بدت لحسان الحضر قمن لها ... على الرؤوس وقلن الفضل للباد.
وقول ابن حجر:
خليلي ولى العمر منا ولم تنب ... وننوي فعال الصالحين ولكنا.
فحتى متى بنبي بيوتا مشيدة ... وأعمارنا منا تهد وما تبنا.
وقوله:
أتى من أحيبابي رسول فقال لي ... تذلل وهن واخضع تغز برضانا.