وفي الحديث من الفوائد: أنَّ أخشى الناس وأتقاهم لله هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهو مع كونه يبالغ في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشدِّدون، وإنما كان كذلك؛ لأن المشدد لا يأمن من الملل، بخلاف المقتصد، فإنه أمكن لاستمراره، وخير العمل ما داوم عليه صاحبه؛ فإن ((المنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى))، والمراد بالسنة: الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، وفيه إشارة إلى طريقة الرهبانية؛ فإنهم الذين ابتدعوا التشديد، أما طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهي الحنيفية السمحة: فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج النساء لتكثير النسل، وإعفاف النساء والنفس؛ ولكسر الشهوة، ويؤخذ منه أن الأخذ بالشدة في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً، وترك التنفّل يفضي إلى البطالة وإيثارها، وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط، وفيه: إشارة إلى أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه والعمل به أعظم قدراً من مجرد العبادة البدنية، وفيه البيان بأن الرغبة عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كانت بنوع من التأويل يعذر صاحبه فيه، فإن معنى ((فليس مني)) أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كانت إعراضاً عنها وتنطعاً يفضي إلى اعتقاد أفضلية عمله على عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمعنى ((فليس مني)) أي ليس