للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[النوع الخامس: إفراد يوم السبت بالصيام:]

فعن الصماء رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لِحَاءَ (١) عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ)) (٢).

قال الإمام الترمذي رحمه الله: ((وَمَعْنَى كَرَاهَتِهِ فِى هَذَا أَنْ يَخُصَّ الرَّجُلُ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَامٍ؛ لأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ)) (٣) (٤).


(١) لحاء: اللحاء: قشر الشجر، وأراد به قشر العنبة التي يجمع ماؤها. [جامع الأصول، ٦/ ٣٦١].
(٢) أبو داود، كتاب الصوم، باب النهي أن يخصّ يوم السبت بصوم، برقم ٢٤٢١، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في صيام يوم السبت، برقم ٧٤٤، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في صيام يوم السبت، برقم ١٧٢٦، وأحمد في المسند، ٢٩/ ٢٣٠، برقم ١٧٦٨٦، عن عبد الله بن بسر المازني، و٤٥/ ٧، برقم ٢٧٠٧٥،عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء، والنسائي في الكبرى، برقم ٢٧٦٢، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،٢/ ٧٤،وفي صحيح سنن الترمذي، ١/ ٣٩٤، وفي صحيح سنن ابن ماجه، ٢/ ٨٠،وفي الإرواء، برقم ٩٦٠. وقال محققو المسند، ٢٩/ ٢٣٠: ((هذا الحديث رجاله ثقات إلا أنه أُعِلَّ بالاضطراب))، وقال الحاكم، ١/ ٤٣٥: ((صحيح على شرط البخاري)).
(٣) سنن الترمذي، بعد الحديث رقم ٧٤٤،وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه، ٣/ ٣١٦: ((وأحسب أن النهي عن صيامه، إذ اليهود تعظمه وقد اتخذته عيداً بدل الجمعة)).
(٤) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صيام يوم السبت وحده؛ لحديث الصماء، ومنهم من قال: ضعيف، ومنهم من قال: شاذ مخالف الإسناد، ومنهم من قال بأنه منسوخ، ومنهم من قال: إنه مضطرب؛ لأنه من رواية عبد الله بن بسر عن أخته الصماء، ورواه مرة بدون ذكر أخته الصماء، ومرة عن أبيه، ومرة عن الصماء عن عائشة، ومرة عن الصماء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورُدَّ ذلك بأنه لا وجه للاضطراب؛ لأنه صحابي، ويحتمل أن يكون عن عبد الله عن أبيه.
ومنهم من قال: ضعيف، ومنهم من قال: شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، ومنهم من قال: إنه صحيح ثابت: كابن خزيمة، وابن حبان، وابن السكن، والحاكم، ومن المعاصرين: العلامة الألباني، ومنهم من حسنه كالإمام الترمذي.
وقد كان شيخنا ابن باز رحمه الله يقول سابقاً: وهو حديث جيد الإسناد، فسمعته يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام لابن حجر، الحديث رقم ٧١٠: ((وهو حديث جيد الإسناد، والنهي عن إفراده، أما إذا ضُمَّ إلى الجمعة أو الأحد فلا كراهة))، لكنه رحمه الله في آخر حياته سمعته مرات يقول: بأنه حديث ضعيف مضطرب، فقال في تعليقه على نسخته من بلوغ المرام، ص ٤٢٤: ((هذا الحديث ضعيف لاضطرابه، وشذوذه؛ لكونه مخالفاً للأحاديث الصحيحة الدالة على جواز صيام يوم السبت في النفل، كما يصام في الفرض، والله ولي التوفيق)).ثم قال: ((حرر في
١٦/ ١٠/ ١٤١٠هـ)).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، ٦/ ٤٧٩: ((وقد اختلف العلماء في هذا الحديث: فمنهم من قال: إنه منسوخ، ومنهم من قال: إنه ضعيف، ومنهم من قال: إنه شاذ، ولكن الحديث لا بأس به إلا أنه يحمل على إذا ما أفرده، بدليل الأحاديث الأخرى من إنه إذا ضم إليه يوم الجمعة، فلا بأس به))، وقال في موضع آخر من الشرح الممتع، ٦/ ٤٦٥ - ٤٦٦: ((قيل: إنه لا يجوز إلا في الفريضة، وقيل: إنه يجوز لكن بدون إفراد، والصحيح أنه يجوز بدون إفراد، يعني: إذا صمت معه الأحد، أو صمت معه الجمعة، فلا بأس ... )).
وقال المباركفوري بعد أن ذكر أقوال أهل العلم: ((قلت: قد يجمع بين هذه الأحاديث بأن النهي متوجه إلى الإفراد، والصوم باعتبار انضمام ما قبله أو بعده، ويؤيده أنه - صلى الله عليه وسلم - أذن لمن صام الجمعة أن يصوم السبت بعدها، والجمع مهما أمكن أولى من النسخ، وأما علة الاضطراب فيمكن أن تدفع بما ذكره الحافظ [ابن حجر] في التلخيص، وأما قول مالك: إن هذا الحديث كذب فلم يتبين لي وجه كذبه، والله تعالى أعلم)). [تحفة الأحوذي للمباركفوري، ٣/ ٤٥٠].
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في نيل الأوطار، ٣/ ٢٠٣: ((وقد جمع صاحب البدر المنير بين هذه الأحاديث فقال: النهي متوجه إلى الإفراد، والصوم باعتبار انضمام ما قبله أو بعده إليه، ويؤيد هذا ما تقدم من إذنه - صلى الله عليه وسلم - لمن صام الجمعة أن يصوم السبت بعدها، والجمع مهما أمكن أولى من النسخ)).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن، ٣/ ٢٩٧: ((وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيث عَلَى النَّاس قَدِيمًا وَحَدِيثًا ... )) ثم تكلم كلاماً نفيساً إلى أن ذكر: أن طائفة عللت النهي عن صوم يوم السبت أن اليهود يتركون العمل فيه، والصوم مظنة ذلك، فإذا ضُم إليه الأحد زال الإفراد المكروه، وحصلت المخالفة بصوم يوم فطرهم، وزال عنها صورة التعظيم المكروه، بعدم التخصيص المؤذن للتعظيم، فاتفقت بحمد الله الأحاديث وزال عنها الاضطراب والاختلاف، وتبين تصديق بعضها بعضاً. [تهذيب السنن، ٣/ ٢٩٦ - ٣٠١].
وعند شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يكره إفراد السبت بالصوم، فقال في الإنصاف مع الشرح الكبير، ٧/ ٥٣٢: ((واختار الشيخ تقي الدين: أنه لا يكره صيامه مفرداً، وأنه قول أكثر العلماء، وأنه الذي فهمه الأثرم من روايته، وأن الحديث شاذ، أو منسوخ، ... وهذه طريقة قدماء أصحاب الإمام أحمد الذين صحبوه: كالأثرم وأبي داود، وأن أكثر أصحابنا فهم من كلام الإمام أحمد الأخذ بالحديث)). وانظر: الفروع لابن مفلح، ٥/ ١٠٤، وقد انتصر الألباني لصحة الحديث، فأجاد وأفاد رحمالله. [انظر: إرواء الغليل، ٤/ ١١٨ - ١٢٥].

<<  <   >  >>