لما تمّم الكلامَ على ديات الأعضاء، كالأنف والأذن واليد والرجل، ونحو ذلك، شرع يتكلم على ديات المنافع، وهي: السمع والبصر والشمّ والذوق ونحوها، فقال:(تجب الدية كاملةً في إذهاب كلُّ من سَمْعٍ وبصرٍ وشمٍّ وذوق) بيانٌ للمنافع (وكلامٍ) فمن جنى على إنسان، فخَرِسَ، وجبت عليه ديته، لأن كلّ ما تعلقت الدية بإتلافه تعلقت بإتلاف منفعته، كاليد. (وعقلٍ) قال بعضهم بالإِجماع: لأنه أكبر المعاني قدراً، وأعظَمُ الحواسِّ نفعاً، فإنه يتميز به الإِنسان عن البهائم، وتعرف به صحة حقائق المعلومات، ويهتدى به ألى المصالح، ويدخل به في التكليف، وهو شرطٌ في ثبوتِ الولايات وصحّة التصرّفات وأداء العبادات، فكان أولى من بقية الحواس.
(و) تجب الدية كاملةً أيضاً في (حَدَبٍ) بفتح المهملتين لأن بذلك تذهب المنفعة والجمال، لأن انتصاب القامة من الكمالِ والجمالِ، وبه يتشرّف الآدميّ على سائر الحيوانات (ومنفعةِ مَشْيٍ) لأن منفعته مقصودة، أشبه الكلام.
وتجب في صَعَرٍ، بأن يُضْرَبَ الإِنسان فيصيرُ وجهه في جانب.
(و) تجب كاملةً في منفعة (نكاحٍ) فإذا كُسِرَ صُلْبُهُ فذهب نكاحُهُ ففيه الدية، (و) في منفعةِ (أكلٍ) لأنه نفعٌ مقصود كالشمّ، (و) في ذهاب منفعة (صوتٍ، و) كذا في ذهابِ منفعةِ (بطشٍ) لأن في كل منهما نفعاً مقصوداً.
(وإن أَفْزَعَ إنساناً، أو ضَرَبَهُ) ولو صغيراً (فأحدَثَ بغائطٍ، أو) أحدث (ببولٍ، أو) أحدث (بريحٍ، ولم يَدُمْ فعليهِ ثُلُثُ الديّةِ. وإن دام فعليه الدية) كاملةً.