للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونصّ أن كل ما نَصَحَ فيه فهو حسن. قال المروزي: حثني أبو عبد الله على لزوم الصنعة.

وأدنى الصناعة حياكةٌ وحجامةٌ وقِمامَةٌ وزبالة ودباغة.

وأشدها كراهةٌ صبغٌ وصياغَةٌ وحِدادةٌ وجزارةٌ (١).

[[تذكية المصيد]]

(فمن أدركَ صيداً مجروحاً متحركاً فوق حركة مذبوحٍ، واتسعَ الوقتُ لتذكيتِهِ لم يُبَحْ إلا بها) أي بتذكية، لأنه مقدورٌ عليه، أشبهَ سائر ما قدر على ذكاته، ولأن ما كان كذلك فهو في حكم الحيّ حتى ولو خُشِيَ موته ولم يجد ما يذكّيه به.

(وإن لم يتسع) الوقت لتذكيته (بل مات في الحال، حلّ بأربعة شروط):

(أحدها: كون الصائد أهلاً للذكاة) أي تحلُّ ذبيحتُه، ولو أعمى. ومرادهم باشتراطِ كون الصائد أهلاً للذكاةِ إذا كان الصيدُ لا يحلّ إلا


(١) في بعض ما قاله نظر، إذ لا دليل عليه. غير أن الصنعة التي فيها مباشرة للنجاسة لا شك أدنى من غيرها. أما ما عدا ذلك، كالصرف والصياغة مثلاً، فإن احترز صاحبهما من الغش، ولم يبع الذهب والفضة إلا يداً بيد واتقى الربا، فما وجه الكراهة في ذلك؟ بل هما من أشرف الصنائع والتجارات وأكثرهما كسباً، مع قلة المؤنة والعمل. وقد كان كلام بعض الفقهاء في ذلك بهذه الصورة سبباً في تجنب المسلمين لهاتين الحرفتين، حتى استقل بهما في بلاد المسلمين اليهود والنصارى والصابئة وجنوا من ذلك أعظم الثمار. وصاحب شرح المنتهى علَّلَ للكراهة فيهما بتمكن الشبهة وما يدخلهما من الغش. فيا سبحان الله، قلما تسلم صنعة من إمكان الغش فيها. وأين الشبهة فيهما؟! وما أحسن كلمة الإمام أحمد رحمه الله "إن كل ما نصح فيه فحسن" وأما ما قاله في الحدادة، فقد كانت صنعة داود عليه السلام الحدادة، وهي من أنفع الصنائع، إذ بها تتمكن الأمم من الرقي وامتلاك السلاح من قرب، لترد به عن نفسها، فلا تقع فريسة الأعداء الذين يحتكرون عنها السلاح. ويمنعونه عنها في الأزمات، إلا بالشروط المذلّة، وبالتحكم في الرقاب. فعلينا أن نغيّر نظرتنا إلى الصناعة. وعفا الله عمّن أودع مثل هذه الأقوال كتب الإسلام فأدّت إلى ما أدت إليه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>