للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودنت ساعة القدر المحتوم التي أصيب فيها الصحابي الجليل، والخليفة العظيم، وهو يصلي صلاة الفجر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تقدم رضي الله عنه ليؤم الناس، فجعل رضي الله عنه يسوي الصفوف، ويقول: استووا، حتى اطمئن إلى عدم وجود الخلل، تقدم، فكبر رضي الله عنه، ودخل في الصلاة، فباغته أبو لؤلؤة المجوسي لعنه الله بيده الغادرة، وقد امتلأ صدره حقداً وغيظاً عليه رضي الله عنه فطعنه بسكين ذي طرفين، فسمعه مَن خلفه يقول: قتلني أو أكلني الكلب، وطعن أبو لؤلؤة لعنه الله وهو يحاول الهرب ثلاثة عشر رجلاً من المسلمين، فمات منهم سبعة، ثم نحر نفسه بعد أن ألقى عليه أحد المسلمين برنساً (١)، وظن أنه قد أخذ، فأخذ عمر رضي الله عنه بيد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقدمه، فصلى بهم صلاة خفيفة، فلما انصرف الناس من الصلاة، قال عمر رضي الله عنه لعبد الله بن عباس رضي الله عنه: انظر من قتلني، فجال في الناس ساعة، ثم جاء، فقال: غلام المغيرة (٢).

قال: الصَّنَعُ؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفاً (٣)، ثم قال عمر: الحمد الله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، ثم


(١) البُرْنُس: كل ثوب رأسه منه، ملتزق به. ابن منظور / لسان العرب ١/ ٣٩٣.
(٢) هو ابن شعبة رضي الله عنه.
(٣) وجاء في رواية عند ابن سعد أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ضرب لغلامه أبي لؤلؤة لعنه الله عشرين ومائة درهم كل شهر، أربعة دراهم كل يوم، وكان خبيثاً إذا نظر إلى السبي الصغار، يأتي فيمسح رؤوسهم ويبكي ويقول: إن العرب أكلت كبدي، فلما قدم عمر من مكة جاء أبو لؤلؤة إلى عمر يريده، فوجده غادياً إلى السوق، وهو متكئ على يد عبد الله بن الزبير، فقال: يا أمير المؤمنين، إن سيدي المغيرة يكلفني ما لا أطيق من الضريبة. قال عمر: وكم كلفك؟ قال: أربعة دراهم كل يوم، قال: وما تعمل؟ قال: الأرحاء، وسكت عن سائر أعماله، فقال: في كم تعمل الرحى؟ فأخبره، قال: وبكم تبيعها؟ فأخبره، فقال: لقد كلفك يسيراً، انطلق فاعط مولاك ما سألك، فلما ولى قال عمر: ألا تجعل لنا رحى؟ قال: بلى، أجعل لك رحى يتحدث بها أهل الأمصار، ففزع عمر من كلمته. الطبقات الكبرى ٣/ ٣٤٧، من طريق الواقدي، ورواه من طريق آخر بإسناد حسن لكنه منقطع من رواية الزهري عن عمر بلفظ مقارب وفيه طول ٣/ ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>