فإذن تصور أن يكون الدليل على وجوب العمل بأخبار الآحاد مقطوعا في هذه الصورة.
٣ - ومنها- أنه لو جاز أن يجب العمل بأخبار الآحاد في الفروع، لجاز أن يجب العمل بها في الأصول والأدلة والأخبار. حتى لو أخبر واحد أن أهل اللغة وضعوا هذا الاسم للعموم، جاز لنا أن نقطع بأنه موضوع للعموم. وكذلك لو أخبر واحد بكون زيد في الدار، جاز لنا أن نخبر بكونه في الدار قطعاً.
كما جاز لنا أن نخبر بوجوب الفعل إذا أخبر النبي عليه السلام بوجوبه- فلما لم يخبر ذلك، فلا يجوز هذا.
والجواب:
أما الأول- قلنا: قد ذكرنا أنه يجوز أن يكون الفعل مصلحة إذا فعلناه ونحن على حالة مخصوصة، وكوننا ظانين صدق الخبر، بأمارة حالة من حالاتنا، فجاز كون الفعل عندنا مصلحة، صدق الراوي أو كذب. إذا ثبت هذا لم يجب ما قالوه من أن تجويز كذب الراوي يجوز كون ما تضمنه الخبر مفسدة، لأن كوننا ظانين صدق الراوي ثابت في الحالتين جميعاً، وجواز كون الفعل مصلحة مبنى على هذه الحالة، كما في الحكم بالبينات: فإن تجويز كذب الشاهد لا يقتضي تجويز إقدام الإمام على ما لا يحل له فعله من قطع يد لا يستحق قطعها وغير ذلك.
فإن قيل: ظنكم صدق الراوي لا يخلو: إما أن جعلتموه طريقاً إلى العلم بكونه مصلحة، أو شرطا في جواز كون الفعل مصلحة:[ف] إن جعلتموه طريقا، لا يجوز أن يجعل طريقا إلى القطع على أن الفعل مصلحة. ولو جاز ذلك، لجاز أن يجعل ذلك طريقا إلى العلم بالاعتقادات، ولجاز ورود التعبد بها