فإن قيل: معنى كون الكلام أمرًا هو أنه أريد به الفعل المأمور به- قلنا: إن عنيتم بهذه الإرادة الطلب والاستدعاء للفعل الذي تناوله الأمر، فقد صرتم إلى الوفاق. وإن عنيتم به حقيقة الإرادة- فهذا باطل، لأن الله تعالى أمر الكفار بالإيمان، ولم يرد منهم الإيمان، لما عرف المذهب السديد. ولأن الواحد منا قد يأمر عبده العاصي بالفعل ويريد أن لا يفعله، ليظهر عصيانه عند الناس، فلا يمنعونه عن ضربه ولومه، فعلم أن كونه أمرًا لا يقف على إرادة الفعل- دلَّ عليه قوله تعالى:{كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} فإنه ليس بأمر، وإن وجدت الصيغة وإرادة ما تناولته- دلَّ عليه قوله تعالى:{ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} وقوله: {كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ}[فـ] ليس بأمر، وقد وجدت الصيغة وإرادة تحصيل الفعل منهم.
فإن قيل: قد شرطتم في كون هذه الصيغة أمرًا أن يكون [القائل] طالبًا للفعل من المقول له- فلم قلتم إنه طالب منه ذلك، وبِمَ يُعرف ذلك منه؟ :
فإن قال بالأمر- قلنا: معرفة كونه أمرًا، متعلق بالطلب، فكيف يمكن إثبات كونه أمرًا بالطلب، والعلم به موقوف على كونه أمرًا؟ - قلنا: نحن لا نستدل على الطلب بالأمر من حيث هو أمر، بل من حيث إنه على هذه الصيغة المخصوصة، لأن هذه الصيغة في الأصل وضعت لطلب الفعل، فنستدل بنفس الصيغة عند فقد القرائن على الطلب، ثم نحكم بكونه أمرًا بعد الوقوف على الطلب.
فإن قيل: المرجع في كون الصيغة أمرًا نفس الصيغة- إذن، فهلا قلتم بأن