وكان الامتناع عنه قبيحاً، فوقع التعارض، فسقط الاحتجاج بجهة الملك.
وأما الثاني- فالجواب عنه من وجوه أيضاً:
-أحدها- أنه ليس في الانتفاع بها احتمال ضرر ومفسدة لوجهين:
أحدهما- أن الأصل في النفع أن يكون خالصاً، لأن الأصل انتفاء اجتماع الجهتين المتنافيتين، وجهة الضرر مخالفة لجهة النفع.
والثاني- لو كان فيه مفسدة لنبهه الله تعالى وأظهره، كما نبه على جهة النفع وأظهره.
هذا قضية الحكمة.
-وثانيها- إن كان فيه احتمال الضرر والمفسدة، لكن الأمارة على ذلك ووجه النفع فيه ثابت بأمارة، والمعتبر هو أمارة الضرر والنفع، لأن الاحتمال بغير أمارة، دل عليه أن العقلاء يلومون من امتنع من الفعل لتجويز الضرر بلا أمارة، ويعذرونه إذا كان فيه أمارة- ألا ترى أنهم يلومون من قام [من] تحت حائط لا ميل فيه لجواز سقوطه، لفساد في أساسه وباطنه، ولا يلومونه إذا كان مائلاً؟ ولا يلومون من امتنع من أكل طعام شهى لأمارة دلت على أنه مسموم، ويلومونه من جهة العقل إذا امتنع منه لتجويز كونه مسموماً.
وثالثها- أنه لو قبح الإقدام على المنافع لتجويز كونه [ا] مفسدة، لقبح الامتناع عنها لتجويز كونه مفسدة، وذلك وجوب ما لا يطاق، فبطل أن يكون تجويز كون الفعل مفسدة وجه قبح- والله أعلم.