للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما ذكره في رواية حبيب عن عروة، وهو محل الشاهد، فمقتضى قوله أن لولا اتفاق أهل الحديث على نفي سماع حبيب من عروة لكانت روايته عنه متصلة؛ من أجل أنه سمع ممن هو أكبر منه.

وهذا موافق لأصل إجراء العنعنة على الاتصال ما لم يثبت ما ينافيه.

وحدث أحمد بن حنبل في " المسند " بحديث قال فيه: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن عثمان بن أبي العاتكة .. ، فقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: من أين سمع محمد بن يزيد من عثمان بن أبي العاتكة؟ قال: " كان أصله شامياً، سمع منه بالشام " (١).

قلت: لعل الشبهة دخلت على عبد الله من جهة أن هذا واسطي، ويروي عن شامي بالعنعنة، فأزاحها عنه أبوه بكون الواسطي إنما كان بالشام، فكأنه جعل من مظنة اللقاء والسماع برهاناً كافياً على إثبات الاتصال.

وجرت بين ابن أبي حاتم وأبيه محاورة في سماع غزوان أبي مالك الغفاري من عمار بن ياسر، قال فيها: ما تنكره أن يكون سمع من عمار وقد سمع من ابن عباس؟ قال: " بين موت ابن عباس وبين موت عمار قريب من عشرين سنة " (٢).

قلت: فدل هذا على أن اعتبار المعاصرة مع القرائن المساعدة دليلاً على الاتصال كان معروفاً من منهجهم.

فمن هذا يظهر أن ما خلص إليه ابن رجب من القول: " والصواب أن ما لم يرد فيه السماع من الأسانيد لا يحكم باتصاله، ويحتج به مع إمكان اللقي، كما يحتج بمرسل أكابر التابعين " (٣)، فهذا في التحقيق ضعيف، مع مراعاة الذي لأجله كانوا يستعملون العنعنة.


(١) المسند (٥/ ٢٦٤).
(٢) علل الحديث (١/ ٢٤).
(٣) شرح علل الترمذي (١/ ٣٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>