للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذهب الثالث: أن (عن) اتصال بشرط المعاصرة.

وهو الذي انتصر له مسلم بن الحجاج، وحكي فيه إجماع من تقدمه.

وقد ذكر مسلم في صدر " صحيحه " مقالة لم يفصح عن قائلها، حاصلها: أنه لا يكفي قول الراوي: (عن فلان) لإثبات اتصال ما بينهما، حتى وإن ثبت أنهما كانا جميعاً في عصر واحد، ومحتمل أن يكون الحديث الذي روى عن ذلك الشيخ قد سمعه منه وشافهه به، لكنا لا نعلم له منه سماعاً، ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث، وإنما يثبت الاتصال إذا ثبت أنهما اجتمعا مرة فأكثر، أو تشافها بالحديث (١).

ثم رد مسلم هذه المقالة وأنكرها، ووصفها بكونها مخترعة.

وقال: " القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً: أن كل رجل ثقة، روى عن مثله حديثاً، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه؛ لكونهما جميعاً كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً " (٢).

وناقش مسلم المقالة السابقة ورد ما يمكن التعلق به لأجلها، وهو احتمال الإرسال وعدم السماع بين الراوي وذلك الشيخ الذي عنعن عنه.

ثم أبطل ذلك بأن الاحتمال عندئذ يرد على كل موضع عنعنة، حتى في رواية الراوي عمن سمع منه مرة أو أكثر؛ لجواز أن يكون روى عنه بالواسطة فأسقطها وأرسله عنه.


(١) مقدمة صحيح مسلم (ص: ٢٩).
(٢) مقدمة صحيح مسلم (ص: ٢٩ _ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>