للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صيغ قدح تقال في الراوي، ولو علم بها لما رضيها، فكيف يصح مثل هذا القدح مع تلك الضرورة المسلَّمة في تحريم عرض المسلم؟

وإذا تأملت ذلك من جهة أخرى وجدت أحوال نقاد المحدثين محل القدوة في الصلاح والدين، ومع ذلك فهم من كان يقوم بهذه الوظيفة (جرح الرواة وتعديلهم)، فكيف كانوا يرون ذلك؟ وما عذرهم فيه؟

جواب ذلك من وجوه، منها:

١ _ حرمة العرض كحرمة الدم والمال، وحرمة الدين أعظم منها جميعاً، فإنه تسترخص له الأنفس والأموال، وهذا أيضاً معلوم من الدين بالضرورة.

والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دين، كما قال محمد بن سيرين رحمه الله: " إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم " (١)، وهو بيان الكتاب العزيز , وفيه تفصيل الأحكام والأوامر والنواهي، فالمتعرض له إنما يضيف شيئاً إلى الدين، فإما أن يكون أهلاً له صادقاً أميناً حافظاً أو ليس كذلك، ولا طريق إلى معرفة ذلك إلا بـ (الجرح والتعديل).

فهو واجب ألزمت به ضرورة حفظ الدين.

وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦]، فأوجب الله تعالى التبين في خبر الفاسق قبل قبوله فيما ينبئ به عن قوم آخرين، فكيف الطريق إلى معرفة فسقه إن لم يكن بعلامة علمناها منه دلت على فسقه؟


(١) أخرجه الدارمي (رقم: ٤٢٥) وابنُ سعد (٧/ ١٩٤) ومسلم في " مقدمة صحيحه " (١/ ١٤) وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (١/ ١ / ١٥) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص: ٤١٤) وابن عدي (١/ ٢٥٣، ٢٥٤) والخطيب في " الكفاية " (ص: ١٩٦، ١٩٧) و " الجامع لأخلاق الراوي " (رقم ١٣٨) من طريق ابنِ عونٍ عن ابن سيرين، به.
وروى معناه غير واحد عن ابن سيرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>