للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناسباً ذلك إليه، وسبب تغليظ حكم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم؛ أن من كذب عليه فقد زاد في دين الله، فكأنما كذب على الله عزوجل.

ومن وقع في الكذب على التوهم لا القصد فربما يعذر، لكن لا يعذر من علم غلطه ولم يبين.

فبيان أحوال النقلة يوجبه نفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، الذي يرجح حفظ ضرورته على ضرورة حفظ الأنفس والأموال والأعراض.

٢ _ تأملنا فوجدنا التعرض للمسلم إنما يحرم بغير سبب شرعي، أما إن كان بسبب معتبر صحيح في الشرع فإن ذلك يتردد بين إباحة وندب ووجوب، ولا يمتنع، وذلك بنفس أدلة الشرع، فمن اعتدى على غيره وجب منعه، وكان للمعتدي عليه الحق في الانتصار لنفسه، كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠]، وقال: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} [النساء: ١٤٨]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لي الواجد يحل عرضه عرضه وعقوبته " (١)، والواجد: هو الغني يكون عليه الدين يحل أجله فلا يقضيه.

والتعدي على الدين أخطر من التعدي على الأنفس والأعراض والأموال، فكيف يصح أن تأذن الشريعة في الرد عن النفس بما هو ممتنع في الأصل إن لم يكن له سبب، وتمنع الذَّب عن الدين بتخليصه من عدوان الكذابين والمتهمين والغالطين عليه؟

٣ _ اعتبرت الشريعة العدالة في الشهود، فقال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَى


(١) حديثٌ حسنٌ. أخرجه أحمد (٤/ ٢٢، ٣٨٨، ٣٨٩) وأبو داود (رقم: ٣٦٢٨) والنسائي (رقم: ٤٦٨٩، ٤٦٩٠) وابن ماجة (رقم: ٢٤٢٧) من حديث الشريد بن سُويد.
وحققت القول فيه في تعليقي على " المنتقى من مُسند المقلين " لدَعلج السجْزي (رقم: ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>