للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المخالف تأويلاً في بعض الفروع العملية؛ فهذا أولى بأن يقبل قوله إذا وجدت سائر الصفات الناقد.

قال الإمام الشافعي: " والمستحل لنكاح المتعة والمفتي بها والعامل بها؛ ممن لا ترد شهادته، وكذلك لو كان موسراً فنكح أمة مستحلاً لنكاحها مسلمة أو مشركة؛ لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من يستحل هذا، وهكذا المستحل الدينار بالدينارين والدرهم بالدرهمين يداً بيد، والعامل به؛ لأنا نجد من أعلام الناس من يفتي به ويعمل به ويرويه، وكذلك المستحل لإتيان النساء في أدبارهن، فهذا كله عندنا مكروه محرم وإن خالفنا الناس فيه، فرغبنا عن قولهم، ولم يدعنا هذا إلى أن نجرحهم ونقول لهم: إنكم حلَّلتم ماحرم الله وأخطأتم؛ لأنهم يدعون علينا الخطأ كما ندعيه عليهم، وينسبون من قال قولنا إلى أنه حرم ما أحل الله عز وجل " (١).

وهذا الذي قاله الشافعي يتنزل على مزكي الشهود وعلى الشهود أنفسم، ولما كانت الرواية أولى من الشهادة في هذا الباب، فهذا الكلام متنزل كذلك على رواة العلم وعلى الذين تعرضوا لنقدهم من الحفاظ، لا يُقْدح على أحد منهم بشيء ذهب إليه بتأويل وشبهة.

٢ _ حفظ الحديث والمعرفة به وبأهله.

وهذان في التحقيق وصفان من باب واحد، فالناقد يحتاج إلى خبرة ودراية بالمروي ليقايس به ويبني

على وفقه موافقة ومخالفة تمييز حال الراوي، ولا تتهيأ له تلك المعرفة دون سعة حفظ واطلاع على الأسانيد والمتون، إضافة إلى دراية بمواضع الاتفاق منها والافتراق، وهذا يستلزم معرفة بجانب من فقهها معانيها، على ما ستعلمه من الفصول التالية في شرح منهج النقد.


(١) الأم (٦/ ٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>