للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن هل يكون قاطعاً في كذبه؟ أي أن وصف الكذب لحق ذلك الراوي لذاته؟ أم هي تهمة بنيت على قرائن معتبرة عند الناقد؟ فنحن نعلم مثلاً أن من الرواة الضعفاء من لا يوصف بالكذب، مع وقوع رواية الكذب من طريقهم، وذلك أن أحدهم كان يؤتى من غفلته.

تحرير هذه المسألة: أن نعت الراوي بالكذب إن كان بدليل لا يقبل الشك أنه كان يتعمد الكذب، كاعترافه، أو ما ينزل منزلته، فهو وصف ظاهر يوجب سقوط عدالته.

لكن أكثر من أطلق عليه هذا الوصف من الرواة، فهو بحسب نظر الناقد وتمحيصه لحديثه، فوجد حديثه الكذب، فحكم عليه بمقتضى ذلك، ولم يطلع من أمره إلا على ذلك منه، وهذا في حقنا لا يزيد على أن يكون مجرد تهمة يسقط بها حديث ذلك الراوي، وإن وقع إطلاق الوصف من أرفع أئمة هذا الشأن، نعم، ربما جعلنا نحكم على حديثه المعين بأنه (كذاب).

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في ترجمة (أحمد بن إبراهيم الحلبي): سألت أبي عنه وعرضت عليه حديثه؟ فقال: " لا أعرفه، وأحاديثه باطلة موضوعة كلها، ليس لها أصول، يدل حديثه على أنه كذاب " (١).

وسأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث رواه عبد الكريم (الجرجاني)، عن الحسن بن مسلم، عن الحسين بن واقد، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حبس العنب أيام القطاف؛ ليبيع من يهودي أو نصراني، كان له من الله مقت " (٢)؟ فقال أبو حاتم: " هذا حديث كذاب باطل " قال


(١) الجرح والتعديل (١/ ١ / ٤٠).
(٢) أخرجه الطبراني في " الأوسط " (٦/ ١٧٠ _ ١٧١ رقم: ٥٣٥٢) وابنُ حبان في " المجروحين " (١/ ٢٣٦) والسهمي في " تاريخ جُرجان " (ص: ٢٤١) من طرق عن عبد الكريم، عن الحسن بن مسلم، به. بلفظ: " من حبس العنب أيام القِطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني، أو ممن يتخذه خمراً، فقد تقحَّم النار على بصيرة ". زاد السهمي في الإسناد: (عن عُمر بن الخطاب).
قلت: عبد الكريم في رواية الطبراني: (ابن أبي عبْد الكريم)، وفي رواية السهمي: (ابن عبد الكريم)، وفي رواية ابنِ حبان: (ابن عبد الله السكري).
وقاله ابن حبان وقد أورد الحديث في ترجمة (الحسن بن مسلم): " هذا حديث لا أصل له عن حسين بن واقد، وما رواه ثقة، والحسن بن مسلم هذا راويه يجب أن يعدل به عن سنن العُدول إلى المجروحين برواية هذا الخبر المنكر ".

<<  <  ج: ص:  >  >>