للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحسين بن حبان: قلت ليحيى بن معين: ما تقول في رجل حدث بأحاديث منكرة، فردها عليه أصحاب الحديث، إن هو رجع عنها، وقال: ظننتها، فأما إذ أنكرتموها ورددتموها علي فقد رجعت عنها؟ فقال: " لا يكون صدوقاً أبداً، إنما ذلك الرجل يشتبه له الحديث الشاذ والشيء فيرجع عنه، فأما الأحاديث المنكرة التي لا تشتبه لأحد فلا "، فقلت ليحيى: ما يبرئه؟ قال: " يخرج كتاباً عتيقاً فيه هذه الأحاديث، فإذا أخرجها في كتاب عتيق فهو صدوق، فيكون شبه له فيها وأخطأ كما يخطئ الناس فيرجع عنها "، قلت: فإن قال: قد ذهب الأصل وهي في النسخ؟ قال: " لا يقبل ذلك منه "، قلت له: فإن قال: هي عندي في نسخة عتيقة، وليس أجدها؟ فقال: " هو كذاب أبداً حتى يجيء بكتابه العتيق "، ثم قال: " هذا دين، لا يحل هذا " (١).

والرجل من هؤلاء لا يكاد ينهض بعد ثبوت كذبه، فإن من اجترأ على الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بغية ترويج ضلالته أو تحقيق شهوته، فإن مظنة كذبه في ادعاء التوبة قوية.

كحال (زياد بن ميمون أبي عمار صاحب الفاكهة)، فقد صح عن الحافظ أبي داود الطيالسي قال: " لقيته أنا وعبد الرحمن بن مهدي، فسألناه، فقال: عدوا أن الناس لا يعملون أني لم ألق أنساً، ألا تعلمان أني لم ألق أنساً؟ ثم بلغناه أنه يروي عنه، فأتيناه، فقال: عدوا أن رجلاً أذنب ذنباً فيتوب، لا يتوب الله عليه؟ قلنا: نعم، قال: فإني أتوب، ما سمعت من أنس قليلاً ولا كثيراً، فكان بعد ذلك يبلغنا أنه يروي عنه، فتركناه " (٢).

وقال يزيد بن هارون: " كان أبو جزي مرض مرضة ظن أنها الموت،


(١) أخرجه الخطيب في " الكفاية " (ص: ١٩٢) وإسناده جيد.
(٢) الجرح والتعديل (١/ ٢ / ٥٤٤)، ونحوه في " مقدمة مُسلم " (ص: ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>