للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما من هؤلاء الحفاظ المكثرين من يسلم من شيء يؤخذ عليه، والإكثار مظنة العثار، والراوي يحفظ الكثير، فيهم في اليسير، فلا يقدح قليل خطئه في كثير صوابه.

قال ابن عدي في (أبي داود الطيالسي): " حدث بأصبهان كما حكى عنه بندار أحداً وأربعين ألف حديث ابتداء، وإنما أراد به من حفظه، وله أحاديث يرفعها، وليس بعجب ممن يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها، يرفع أحاديث يوقفها غيره، ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنما أتي ذلك من قبل حفظه، وما أبو داود عندي وعند غيري إلا متيقظ ثبت " (١).

وقال الحافظ أبو حامد ابن الشرقي في (أبي الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري): " أبو الأزهر هذا كتب الحديث فأكثر، ومن أكثر لا بد من أن يقع في حديثه الواحد والاثنان والعشرة مما ينكر " (٢).

قلت: فالعبرة إنما هي بغلبة الحفظ والضبط والإتقان وأن يقل الغلط إلى جنب ما روى.

واعلم أن ورود مظنة الغلط على كل راو أوجبت التحري والتثبت في قبول الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفحص أحوال النقلة وتمييز ضبطهم من عدمه، وتمامه من نقصه، ومقدار غلطهم بالنسبة إلى جملة ما رووا، فراو حدث بمئة حديث وأخطأ في بضعة أحاديث، فرفع ما هو موقوف أو وصل ما هو مرسل، فلا تطرح المئة لأجل البضعة، وإنما يميز ما أخطأ فيه بالحجة، ويقبل سائره، وآخر روى عشرة أحاديث فأخطأ في بعضها، فقلة ما روى مع الخطأ تورد الريبة في سائر العشرة، فمثله لا يقبل منه التفرد ويوصف بعدم الضبط أو خفته، وقد يبقى في درجة من يستشهد به، وقد يطرح كلية.


(١) الكامل (٤/ ٢٧٨).
(٢) الكامل، لابن أبي عدي (١/ ٣١٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>