للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلها، كراو لم يرو إلا بضعة أحاديث، فيغرب بأكثرها، وذلك إسناداً أو متناً أو جميعاً، فهذا يشعر بلين حديثه، وإن لم يصل ما تفرد به إلى حد النكارة.

أما الثقة المكثر إذا أغرب ببعض حديثه عن شيخ عرف بالعناية به، فهو من علامة تميزه وإتقانه.

لذا فحين تكلم في (حرملة بن يحيى التجيبي المصري) من أجل ما أغرب به عن عبد الله بن وهب رد ذلك ابن عدي، فقال: " قد تبحرت حديث حرملة وفتشته الكثير، فلم أجد في حديثه ما يجب أن يضعف من أجله، ورجل توارى ابن وهب عندهم ويكون عنده حديثه كله، فليس ببعيد أن يغرب على غيره من أصحاب ابن وهب كتباً ونسخاً " (١).

والإغراب مما تميل إليه النفوس بطبعها، لكن من عرفوا بالإتقان كانوا يتقون الإغراب إلا بمحفوظ، بخلاف من كان همه تكثير الرواية، فهذا لا يبالي بما حدث ولا عمن حدث، حتى ربما لحقته التهمة بسبب ذلك، كما كان الشأن في حق (الهيثم بن عدي) , و (محمد بن عمر الواقدي) وشبههما.

كما قال أبو يوسف القاضي: " من تتبع غريب الحديث كُذِّب " (٢).


(١) الكامل (٣/ ٤٠٩).
(٢) أثرٌ صحيح. أخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص: ٥٦٢) وابنُ عدي (١/ ١١١) والخطيب في " الكفاية " (ص: ٢٢٥) بإسناد جيد. ولفظ ابن عدي: " من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب غريب الحديث كُذِّب، ومن طلب المالَ بالكيمياء أفْلس ". قلت: ولو ضبطْتَ قوله: (كُذب) (كَذب) لجاز. وأخرجه الخطيب في " الجامع " (رقم: ١٤٨١) بإسناده إلى أبي يوسف عن أبي حنيفة، به، لكنه ضعيف. وروى مُحمد بن جابر اليمامي عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي قال: " كانُوا يَكرهون غريب الحديث، والكلام ". أخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص: ٥٦٥) والخطيب في " الكفاية " (ص: ٢٢٤). ابنُ جابر ليس بالقوي في الحديث. لكن في معناه عن إبراهيم قال: " كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يُخرج الرجل أحسن حديثه، أو أحسنَ ماعنده " أخرجه الرامهرمزي (ص: ٥٦١) والخطيب في " الجامع " (رقم: ١٢٩٥) وإسناده صَحيح. وكانوا يعنون بذلك الغريب؛ لأنه تستحسنه النفوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>