للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتبار الثاني: التشدد والاعتدال والتساهل.

وقسم الذهبي الناقد باعتبار هذا المعنى إلى ثلاثة أقسام، فقال:

" قسم منهم متعنت في الجرح، متثبت في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، ويلين بذلك حديثه، فهذا إذا وثق شخصاً، فعض على قوله بناجذيك، وتمسك بتوثيقه، وإذا ضعف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه؟ فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه: لا يقبل تجريحه إلا مفسراً، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: هو ضعيف، ولم يوضح سبب ضعفه، وغيره قد وثقه، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه، وهو إلى الحسن أقرب.

وابن معين، وأبو حاتم، والجوزجاني، متعنتون.

وقسم في مقابلة هؤلاء، كأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي بكر البيهقي، متساهلون.

وقسم كالبخاري، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة، وابن عدي، معتدلون منصفون " (١).

قلت: هذا الذي مثل به الذهبي من ذكر هؤلاء الأعيان صحيح في الجملة بالنظر إلى ما وقع من كلامهم، في النقلة، لكنك تحتاج إلى مراعاته عند اختلاف الجرح والتعديل، لا مطلقاً، فإن أقوال هؤلاء جميعاً الأصل فيها الإعمال والاعتبار، والذهبي نفسه اعتمد على جرحهم وتعديلهم في كتبه.

وإلا فمن ذا يجافي كلام العارفين بنقلة الحديث، من أمثال يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين والنسائي، مع ما عرف عنهم من التشديد؟!


(١) ذكر من يُعتمد قولُه في الجرْح والتعديل (ص: ١٥٨ _ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>