للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذهب الثالث: التفريق بين المراسيل، بحسب المرسل.

وهذا عزي للشافعي أنه كان يقبل مراسيل كبار التابعين، كما تقدم بيانه في المسألة السابقة، وتبين أن الشافعي لا يرى قبول مرسل التابعي الكبير لذاته، إنما يقبله بقرائن تقويه.

فهذا مذهب في التحقيق لم يقل به أحد، فعاد الخلاف إلى المذهبين الأولين.

وظاهر ما تقدمت حكاية عن أهل العلم: الاختلاف بين الفقهاء وأهل الحديث في صحة المرسل.

لكن التحقيق كما حررته عبارة الناقد ابن رجب، حيث قال: " اعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ وأعلام الفقهاء في هذا الباب، فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلاً، وهو ليس بصحيح على طريقهم؛ لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث، فإذا أعضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلاً قوي الظن بصحة ما دل عليه، فاحتج به مع ما احتف به من القرائن، وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة " (١).

يؤيد هذه الخلاصة المحققة قول أبي عمر بن عبد البر وهو يبين مذهب أصحابه المالكية ومن وافقهم في قولهم بقبول المرسل: " ثم إني تأملت كتب المناظرين والمختلفين من المتفقهين وأصحاب الأثر من أصحابنا وغيرهم، فلم أر أحداً منهم يقنع من خصمه إذا احتج عليه بمرسل، ولا يقبل منه في ذلك خبراً مقطوعاً (٢)، وكلهم عند تحصيل المناظرة يطالب خصمه بالاتصال في الأخبار " (٣).


(١) شرح علل الترمذي (١/ ٢٩٧).
(٢) أي: مُنقطعاً.
(٣) التمهيد (١/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>