للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وهذا التعريف قد اشتمل على صورتين لعدم السماع جمعهما الإدراك، وافترقا في ثبوت السماع في الجملة:

فالأولى: إدراك مجرد، دون سماع ذلك الراوي ولا في خبر واحد ممن روى عنه.

والثانية: أنه سمع ممن روى عنه غير ذلك الحديث، وإنما حدث عنه بما سمعه من غيره عنه، فأسقط تلك الواسطة، وروى الخبر بالعنعنة عن ذلك الشيخ.

وطائفة من المتأخرين يسمون الصورة الأولى: (الإرسال الخفي)، مع أن معنى الإيهام موجود فيها، من أجل إدراك الراوي في الجملة لمن أرسل عنه.

وعرف ابن عبد البر هذا النوع من التدليس، بعبارة أدق، تخرج منه الصورة الأولى، فقال: " التدليس: أن يحدث الرجل عن الرجل، قد لقيه، وأدرك زمانه، وأخذ عنه، وسمع منه، وحدث عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه من غيره عنه، ممن ترضى حاله أو لا ترضى، على أن الأغلب في ذلك أن لو كانت حاله مرضية لذكره، وقد يكون لأنه استصغره. هذا هو التدليس عند جماعتهم، لا اختلاف بينهم في ذلك " (١).

والمقصود: أن يأتي بصيغة الأداء غير صريحة في السماع، وهي (عن) ومعناها (٢).


(١) التمهيد (١/ ١٥) ونحوه كذلك (١/ ٢٧، ٢٨). وقوله: لا اختلاف بينهم في ذلك "، ظاهره: في حصْر التدليس في هذا المعنى، وليس كذلك، بل تقدم عن الخطيب أنه أدْرج فيه المرسل الخفي، كذلك صح وُجود بعض عبارات الأئمة في التدليس قيلت فيما هو من قبيل الإرسال الخفي، كبعض ما قيل في تدليس الحسن البصري.
(٢) وكن يَقظاً لِما جرى من بعْض المتأخرين من إطلاق وَصف التدليس على مَن روى بطريق الإجازة فقال: (أخبرنا)، فالتدليس رواية بالواسطة، بخلاف الإجازة فلا واسطة بين المجيز والمُجاز .......

<<  <  ج: ص:  >  >>