للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: لأن تدليسه الذي بان لنا صير ذلك هو الظاهر من حاله، كما أن من عرف بالكذب في حديث واحد صار الكذب هو الظاهر من حاله، وسقط العمل بجميع أحاديثه، مع جواز كونه صادقاً في بعضها، فكذلك حال من عرف بالتدليس، ولو بحديث واحد، فإن وافقه ثقة على روايته وجب العمل به؛ لأجل رواية الثقة له خاصة دون غيره " (١).

والمذهب الثالث: رد رواية من شاع عنه التدليس واشتهر به وكثر منه، حتى يبين سماعه صريحاً. دون من ذكر به، ولم يعرف له كبير أثر على صحة حديثه وروايته في الجملة، فهذا يقبل حديثه وإن عنعن فيه، من أجل ضعف مظنة التدليس، خصوصاً وأن حديث الراوي معروض في العادة على المعروف من حديث الثقات المتقنين، فلدينا بهذا الاعتبار ميزان لكشف أثر تدليسه إن وجد.

كذلك يقال كما سبق: التدليس قدح نسبي في الراوي، مظنته فيمن استقرت ثقة ولم يكثر منه شبيهة بمظنة خطئه، فمع احتمال وقوع ذلك منه، إلا أن روايته مقبولة ما لم يثبت خطؤه فيها.

وعلى هذا المذهب في التحقيق عمل الشيخين، وعليه دلت عبارات كبار أئمة الحديث:

قال يعقوب بن شيبة: سألت يحيى من معين عن التدليس؟ فكرهه وعابه، قلت له: أفيكون المدلس حجة فيما روى؟ أو حتى يقول: (حدثنا) و (أخبرنا)؟ فقال: " لا يكون حجة فيما دلس " (٢).

قلت: فابن معين هنا لا يشترط بيان السماع لقبول حديث المدلس، وإنما هو لديه مقبول، إلا فيما ثبت أنه دلس فيه.


(١) الكفاية (٥١٨) .......
(٢) أخرجه ابن عدي في " الكامل " (١/ ١٠٧) والخطيب في " الكفاية " (ص: ٥١٦) وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>