ولكنه لم يتخلص له جوابه فيما بين الآيتين الا باعتماد طريقة الترقى وهو لم يقصده بسؤال ولا جواب وإنما قصد الفرق الموجب لاختلاف الوصفين فتحصل له بما فى الآيتين من الانتقال فلو اعتبر ذلك ومشى عليه فى الآية الثالثة لكان أنسب وأبين فى جواب ما فرض من السؤال مع زيادة فائدة أهم وأكبر ولما لم يلح ذلك ارتكب التفصيل فى الجواب فجعل "من " فى الآيتين الأوليين موصولة ليحصل من خصوص هاتين الآيتين بيهود ما اعتمده كما تقدم من كلامه وجعلها فى الآية الثالثة شرطية ليحصل له ما قصد من العموم، وليس ذلك كما ذهب إليه ولا انفصلت منها آية أخرى الا بما أعقبت به من الوصف وتوجيهه حاصل منه ما أراده على ما نبينه مع رعى الترقى الثابت على ما قد تقدم وهو أوضح فى توجيهه هذه الأوصاف وأولى فى الجواب عن عين ما فرض صاحب كتاب الدرة من السؤال ووصف يهود بالفسق أعظم من وصفهم بالظلم ووصفهم بالظلم أعظلم من وصفهم بالكفر وقد نقل المفسرون عن الحسن أنه قال: إذا استعمل فى نوع من المعاصى يعنى الفسق وقع على أعظم ذلك لنوع من كفر وغيره ثم فى آى سورة البقرة ما يبين وجه ختم آية المائدة بوصف الفسق قال تعالى: "ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات ... الآيات " إلى قوله: "وما يكفر بها إلا الفاسقون " فتأمل ما تضمنت هذه الآيات فقد ورد فيها بضع عشرة خصلة من شنيع مرتكبهم منها اتباع ما هوته أنفسهم أشار إليه قوله تعالى: "أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم " ومنها استكبارهم وتكذيبهم الرسل وقتلهم إياهم وقولهم: قلوبنا غلف، إلى ما
بعد من المرتكبات وقد وقع فى أول هذه الآى ذكر عيسى عليه السلام والتقفية من بعده بالرسل وفى آيات المائدة قوله تعالى:"وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم " والضمير فى "آثارهم " لمن تقدم فى قوله تعالى: "يحكم بها النبيون الذين أسلموا " فورد مفصلا فى آى البقرة ما ورد مجملا فى المائدة وختمت آيات البقرة بقوله تعالى: "وما يكفر بها إلا الفاسقون " وآيات المائدة بقوله: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " فإلى مجموع ما فى آيات البقرة أشارت آية المائدة وختمت هذه من وصفهم بالفسق بما ختمت تلك وحصل من وصفهم به أنه أعظم من وصفهم بالكفر والظلم لأنه كفر جامع لكل شنيع من مرتكباتهم ولذلك اختير التعبير به عن مرتكب إبليس فى إبايته عن السجود واستكباره فقيل: "إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " فلم تقع هنا عبارة