من مرتكبات كفار قريش وغيرهم لذلك ما ورد التأكيد بزيادة "من " فى قوله بعد ذكر شقاقهم واغترارهم "كم أهلكنا من قبلهم من قرن " فهذا وجه زيادة "من " فى هذه الآى أما الآى الأخرى خمستها فلم يرد فيها ولا فيما اتصل بها ما ورد فى هذه من التغليظ فى الوعيد ومتوالى التهديد وإن كانت قل ما ترد إلا لذلك ولكن اشتداد التهديد إنما هو بحسب ما يقارن أو يكنف أو يتقدم أو ينجر معها من التغليظ فى الوعيد فبحسب ذلك يقوى الرجاء أو يضعف وإذا تأملت قوله تعالى فى الآية الأولى من سورة مريم "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا " لم تجدها فى نفسها أو فيما انتظم معها متقدما أو متأخرا توازن فى التهديد واحدة من تلك الآى الثلاث ألا ترى فيما نوظر بين المعنيين بهذه الآية والمهلكين قبلهم من القرون السالفة وأن ذلك إنما هو فيما غرهم من سعة الحال وكثرة المال حسبما أشار إليه قوله تعالى عن المهلكين قبل هؤلاء أنهم كانوا أحسن أثاثا ورئيا فهذه الآية كقولهم "نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين " ولو استبصروا لاهتدوا من قوله تعالى "إنما نملى لهم ليزداوا إثما " ومع ما أعقبت هذه الآية من المنتظم معها من قوله "فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا " فليست فى التغليظ كتلك الآى إذا حقق ما قبلها وكذلك الآية الثانية وهى قوله "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد ... "الآية فى نفسها وفيما انتظمت به وأما آية طه فأوضح فى إيحاء الرجاء فى نفسها وما نتظمت به ألا ترى ما قوله تعالى "أفلم يهد لهم " وما تضمن تذكيرهم بهذا إلى قوله "لأولى النهى " من عظيم الحلم وعلى الرفق وكذا ما بعد فإن هذا من منتظم تلك الآى الثلاث وأما آية يس وآية ق فأوضح فيما ذكرنا وتأمل مفهومها وما انتظم معهما وإنما حاصلهما بما اتصل بهما تحريك للاعتبار وتذكير بالالاء والنعم وتأمل قوله فى المنتظم بآية يس والمعقبة به من
قوله " أفلا يشكرون " وعلى ما يترتب الشكر إذ لا يمكن إلا مرتبا على حصول الإيمان والتصديق وقوله عقب آية ق " إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " فقد وضح ما بين الضربين وورود كل منهما على ما يناسب ويجب والله أعلم.
الآية الثالثة من سورة الأنعام قوله تعالى:"قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " وفى سورة النمل " قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة " وفى سورة