فكأن الكلام فى قوة أن لو قيل: ان الله محرم نعيم الجنة على من تأبط الكفر واعتمده واتبع اللعب واللهو من كفره فلم يبرح عن ملازمة الطبع والهوى.
وأما آية العنكبوت فإنها تقدم قبلها قوله تعالى:"ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله "، ولا يسأل عن هذا ويجيب الا من جاوز سن اللعب وبلغ سن التى فيها ينعلق التكايف بالمخاطب ويصح خطابه وعتابه على تفريطه.
فناسب ذلك من ذكر الحياة الدنيا تقديم ما يساوق تلك السن فقدم ذكر اللهو والتلى اللعب ليناسب وايحصل ذكر مانعهم من الاستجابة وتكميل النظر المخلص لهم وآخر ذكر اللعب الذى لا يساوق مع أنه متبوع اللهو لزوما لمن لم تسبق له سابقة سعادة فهذا وجه التقديم والتأخير فيما ذكر ولو ورد على العكس لما كان ليناسب والله أعلم.
الآية العاشرة قوله تعالى:"وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون " وفى سورة الأعراف: "والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون " وفى سورة يوسف: "ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون " فى هذه الآى ثلاثة أؤولة والآية الأولى من مغفلات صاحب كتاب الدرة أحدها قوله فى الأنعام "وللدار "باللام الموطية للقسم، وفى الأعراف "والدار " بغير تلك اللام والثانى جرى الأخرة على الدار نعتا لها فى السورتين وفى سورة يوسف "ولدار الآخرة " على الإضافة والثالث قوله فى السورتين "للذين يتقون " وفى سورة يوسف "للذين اتقوا ".
والجواب عن الأول: أن آية الأنعام تقدمها قوله تعالى معرفا بحال الدنيا "وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو " ومعنى التأكيد فى هذا حاصل من جرى الكلام وسياقه لأنك إذا قلت: ما المال إلا الإبل فكأنك نفيت عن غير الإبل أن يكون مالا وأثبت ذلك لها ثباتا مؤكدا وانها المال حقيقة وكأن ما سواها ليس بمال وعلى هذا يجرى ما دخلته الا بعد ما النافية من مثل هذا ومثل هذا هو المعنى الحاصل من لفظ القسم الصريح فناسبه هذا مجئ اللام الموطية للقسم داخلة على المبتدأ فى الآية المعرفة لحال الدار الأخرى فى قوله: "وللدار الآخرة " وكأنه نص قولك والله للدار الآخرة خير، وتناسب هذا مع ما تقدم قبله من تقدير القسم المؤكد كما تبين، وليس فى آية الأعراف ما يقتضى هذا لأنها مناطة بقوله تعالى:"فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى "