ممكنا وحاشاه عليه السلام من أن يسأل محالا ويجهل من ربه مثل هذا لولا الجواز، فلما استعجل وطلب ذلك فى الدنيا قال له ربه تعالى:"لن ترانى " فى الدنيا وأمره أن ينظر إلى الجبل، وأراه تلك الآية العظمى وصار الجبل دكا وخر موسى صعقا لعظبم ذلك المطلع فلما أفاق قال "سبحانك تين إليك " ولم يرد عليه السلام تبت من معصية ولا جهل بربه أن يجوز عليه ما لا يجوز فأقدار الأنبياء عليهم السلام فوق ذلك، وهو أعلم الخلق بما يجوز عليه تعالى وما يستحيل ثم قال:"وأنا أول المؤمنين " أى أول المصدقين بأنك لا ترى فى الدنيا وليس موضع التعبير بأن يقول: "وأنا أول المسلمين " لأن ذلك الوصف حاصل له عليه السلام على الصفة الحاصلة اللمصطفين ممن تقدم وإنما أراد ما يعبر عن مجرد التصديق بهذا الذى غاب عند جواز تعجيله مع علمه بجوازه على الجملة فقد وضح ورود كل من العبارتين بالإسلام والإيمان على ما يجب ولا يناسب العكس بوجه والله سبحانه أعلم.
الآية الموفية ثلاثين من سورة الأنعام قوله تعالى:"وهو الذى جعلكم خلائف الأرض " وفى سورة فاطر: "هو الذى جعلكم خلائف فى الأرض " بإضافة لفظ خلائف فى الأولى ولم يضف فى الثانية بل جئ بحرف الوعاء فيسأل عن وجه ذلك؟
والجواب عنه والله أعلم: أنه لما تقدم قبل آية الأعراف قوله سبحانه لنبيه عليه السلام "قل إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم " واستمر الخطاب له معرفا عن حاله وواضح طريقه إلى قوله: "قل أغير الله أبغى ربا وهو رب كل شئ "، فعم ما سواه سبحانه بالدخول تحت ملكه وقهره، فناسب هذا ما ذكر من إنعامه على عباده بجعلهم خلائف الأرض، ولو كان بحرف الوعاء لم يكن ليفهم التوسعة فى الاستيلاء والاطلاق إلا بضميم يحرز ذلك أن قوله فى الأرض إنما يفهم أنه موضع استخلافهم وهل كلها أو بعضها ذلك محتمل، أما بغير حرف الوعاء فأظهر فى التعميم وإن كان لم يكن مصا إلا أنه أظهر من المتقيد بحرف الوعاء فناسب الإطلاق الاطلاق.
وأما قوله فى سورة الملائكة [فاطر]: "هو الذى جعلكم خلائف فى الأرض " فقد تقدم قبله: "والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " إلى قوله: "أولم نعمركم .... " الآية ثم أعقب قوله "هو الذى