ذلك وكثيره فى كل قضية قضية، وإذا نفى وجود الضلال فى كل واحدة من تلك القضايا بعد انتفاء الضلال عن كلها وبرئت ذمته الرفيعة عن الاتصاف بشئ مما رموه به ومثله الزمخشرى بجواب من قيل له:"ألك ثمر فقال ولا ثمرة واحدة " وهو تنظير حسن فقد حصل إطناب وتفصيل فى المعنى ولطول المجاورة بينه وبين قومه ما قالوه له فى آخر مقالهم: "قد جادلتنا فأكثرت جدالنا "فلهذا قال: "أبلغكم رسالات ربى " فجمع فكأنه عليه السلام يقول: كل قضية أبلغتكم إياها فربى أرسلنى بها وكل منها رسالة أرسلت بها إليكم محفوظا فى ذلك بعصمة الله إياى منزها عما توهمتم من الضلال ثم أتبع
بقوله:"وأعلم من الله مالا تعلمون " يريد مما منعكم من تصديقى فيه ما رميتمونى به من الضلال فرد عليه السلام قولهم بألطف رد وأرفقه بقوله: "وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون " وفى طى هذا الكلام ما يفهم توبيخهم ويشير إلى تعاميهم وجهلهم فهو يرمى ما تمهد موضع جمع رسالة لما تحصل مما يفهمه النظم الجليل من التفصيل الذى به يتم المعنى المقصود فكلامه عليه السلام مع ما بنى عليه من التفصيل الذى تضمنه جوابهم فليس كالوارد فى قصة صالح عليه السلام فى قضية خاصة والله أعلم.
ألا ترى قول ملإ قومه من كفارهم لمن آمن منهم: أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه فقصروا سؤالهم وخصوه بصحة الرسالة ثم قالوا للملإ من المؤمنين: "إنا بالذى آمنتم به كافرون " ثم بنوا على هذا سائر ما كان منهم من الكفر والعتو وعقر الناقة وإنما سألوا أولا ودار أمرهم على صحة إرساله عليه السلام فطابق ذلك الإفرد فى قوله: "أبلغتكم رسالة ربى " واما قول قوم هود فى جوابهم لنبيهم: "إنا لنراك فى سفاهة " والسفاهة الطيش وقلة الحلم فحال من اتصف بذلك كحال من اتصف بالضلال فلا يثبت على قول ولا يعتمد عليه فهذه كقضية قوم نوح فالجواب عنها كما تقدم فى تلك وكل وارد على ما يجب ويناسب والله سبحانه أعلم بما أراد.
فصل: قد تقدم لنا فى هذه الآية وفيما قبلها أن الضلال يقع ما دون الكفر فيكون مع شناعة فيما يقتضيه بوصفه وإن لم يرد به الكفر دون الإفصاح بلفظ الكفر إذ يصح أن يطلق على متصف بالإيمان برئ من الكفر وقد قال تعالى مخبرا عن إخوة يوسف فى قولهم لأبيهم عليه السلام: "إنك لفى ضلالك القديم " وإنما أرادوا ما يرجع إلى خاطره عليه السلام برجائه يوسف وما يرجع إلى هذا وقد