عنهم:"لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودون فى ملتنا " وقولهم: "لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون " وقد انطوى هذا الكلام من التعريف بقبيح ردهم وشنيه مرتكبهم فى مجاوبتهم على أعظم اجترام، فحصل فى هذا من خطابه إياهم وما ردوا به وجاوبوه عليه السلام إطناب فى العبارة وإمعان فيما تحتها من المعانى فى كلا الضربين فناسب ذلك الجمع فى قوله:"أبلغكم رسالات ربى " أما قصى صالح عليه السلام فلم يقع فيها بعد أمرهم بالعبادة غير تعريفهم بأمر الناقة وأمرهم برعيها وتذكيرهم بقوم هود فى قوله: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ... "الآية ولم تنفصل مكالمته إياهم كتفصيل ما تقدم وأما المحكى عنهم من جوابهم فقوله تعالى مخبرا عنهم من قول كافريهم لمن آمن منهم: "إنا بالذى آمنتم به كافرون " وقولهم: "ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين " فليس هذا مثل المتقدم من جواب قوم شعيب له فى المحكى من العبارة ولا فيما تحتحته من المعنى فناسبه الإفراد الوارد فى قوله: "أبلغتكم رسالة ربى ".
فإن قلت فقد ورد:"أبلغكم رسالات ربى " بالجمع فى قصة نوح وهود عليهما السلام، ولم يتقدم فى القصتين إطناب ولا إطالة تقتضى ذلك فإن الوارد فى قصة نوح من قول قومه له قوله تعالى:"قال الملأ من قومه إنا لنراك فى ضلال مبين " وهذا ليس كجواب قوم شعيب عليه السلام فى إطالته وإذا لم يكن فى ذلك طول فما وجه الجمع فى قوله: "رسالات ربى "؟ ولم لم يفرد كما فى قصة صالح إذ هى شبيهتها فى الإيجاز؟ فالجواب أن افظ الضلال وإن كان هنا لا يرادف الكفر حسبما تقدم وما يأتى فإنه يقتضى بحسب كليته وانتشار مواقعه مقتضيات عدة، وأنهم لم يريدوا تخصيصه بقوله بعينه من قوله عليه السلام بل أرادوا أقوالا كثيرة مما أمرهم به ونهاهم عنه ومما حذرهم وأنذرهم من عذاب الآخرة حين قال لهم:"إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " فلانسحاب اسم الضلال على مسميات شتى كان فى وزان ما طال من الكلام فأشبه الواقع فى قصة شعيب عليه الصلاة والسلام قال الزمخشرى: "الضلال الذهاب عن طريق الصواب والحق "فكأنهم قد فصحوا بأن قالوا لا نعتمد قولك فى شئ ولا نعول عليه لأنك ذاهب فيه عن طريق الصواب والحق ويشهد لإرادتهم هذا التفصيل قول نوح عليه السلام فى رد مقالتهم: "ليس بى ضلالة " ولم يقل ليس بى ضلال فينفى عين ما قالوه بل عدل إلى ما يدفع قليل