والسؤال الثالث إنه لما تقرر بقوله فى الأعراف والنمل:"إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء " ذكر مرتكبهم القبيح وأنهم فى ذلك من حيث لم يراعوا فى فعلهم إلا مجرد الشهوة ولم يلحظوا ما يلحظه العقلاء ولا ما قررته الشرائع من قصد التناسل والتوالد وقد جبلت عليه البهائم وجرى التعريف من حالهم فى سورة العنكبوت بمثل ذلك فقال تعالى: "أئنكم بتأتون الرجال " فللسائل أن يقول ما وجه اختلاف ما بنى علي هذا الإخبار فى السورتين من وصفهم فقيل فى الأولى: "بل أنتم قوم مسرفون " وفى الثانية: "بل أنتم قوم تجهلون "؟ والعدول فى سورة العنكبوت عن قوله:"شهوة من دون النساء " إلى قوله: "وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر "؟ ما الوجه فى هذا وقد اتفق الإخبار فى مطلع الآى فى هذه السور الثلاث؟
والجواب عن ذلك والله أعلم أنه قصد بما ذكر فى سورة الأعراف الإشارة إلى التعريف بانهماكهم فى الجرائم وقبيح المرتكبات فنص على أفحشها وحصل الإيماء إلى ما وراء ذلك بما ذكر من إسرافهم:"بل أنتم قوم مسرفون ".
ولما قيل فى سورة النمل:"أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون " كان أهم شئ أن تنفى عنهم فائدة الأبصار إذ لم تغن عنهم شيئا فأعقب بقوله: "بل أنتم قوم تجهلون " أى أن مرتكبكم مع علمكم بشنيع ما فيه من أقبح ما يرتكبه الجهال ولم يذكر هنا إسرافهم إذ قد حصل فيما ذكر فى الأعراف.
وأما سورة العنكبوت فقصد فيها تفصيل ما أشير إليه فى الأعراف من شنيع ما ارتكبوه من إسرافهم فقيل:"أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر " وورد أولا - بحسب التريب المتقرر عليه السور والآيات - ذكر أفحش مرتكباتهم ثم أجمل القول فى سائر جرائمهم ثم أتبع فى السورة الثانية بشنيع حالهم فى تلك الفعلة المنصوص عليها من حيث بيان فحشها للأبصار والبصائر ثم أتبع ذلك فى السورة الثالثة بتفصيل بعض قبائح أفعالهم والتنصيص عليها وجاء كله على ما يجب ولا يمكن العكس فيما ورد والله أعلم.
والسؤال الرابع: ما وجه الاختلاف الوارد فى جواب قوم لوط عليه السلام له فى سورة الأعراف: "فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون " وفى سورة النمل: "أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس