مراجعتهم وذلك مما يطلع عليه من أتى بعدهم وقد خص بالذكر من مرتكباتهم أقبحها مما استوجبوا به العذاب وأخذ كل طائفة بذنبها قيل لقوم لوط، عليه السلام: إن هؤلاء المكذبين من قبلكم على سوء مرتكباتهم لم يسبقوكم إلى ما أنتم عليه وقد سمعتم بهم وخلت من قبلكم المثلات فناسب ما قدم من أحوال من قبلهم فى هذه السورة وذكر تلك الأحوال على التفصيل أن وبخ قوم لوط بقبيح جريمتهم وأم من قبلهم على سيئ أحوالهم لم يرضها فكأن قد قيل لهم: هذه قصص من تقدمكم وذكر مرتكباتهم التى أخذوا بها فهل وقع منهم ما وقع منكم؟ أو هل سبق أحد منهم إلى مرتكبهم الشنيع؟ فناسب ذكر الأمم المكذبين قبلهم تقريع هؤلاء بكونهم أول من فعل تلك الشناعة وأنهم لم يسبقهم قيل لهم فى سورة النمل:"أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون " أى تدركون فحشها ببصائركم وأمرها غير خاف على كل ذى عقل، فهل يصدر هذا إلا عن معاند متصف بأعظم الجهل؟ وقيل إنهم كانوا يتجاهرون بها ولا يستحيى بعضهم من بعض فالمراد بقوله:"وأنتم تبصرون " أى ترون ذلك بأعينكم لا يستتر بعضكم من بعض تهكما واستهتارا هذا أعظم الجهل فلستم ممن يعقل أو يعلم شيئا بل أنتم قوم تجهلون.
ولما لم يتقدم فى هذه السورة تفصيل أحوال الأمم المكذبين وأخذهم ولم يذكر ذلك كان ذكرهم كأن لم يتعرفوا حال من تقدمهم فعدل عن توبيخهم بما وبخوا حيث ذكر من كان قبلهم إلى ضرب آخر من التوبيخ لم يكن نص عيه فى الأعراف من بيان شنيع المرتكب فى فعلهم.
وأنه غير خاف، فقيل:"وأنتم تبصرون " أى أن من شأن من له عقل أو بصر يبصر على المأخذ الآخر أن يكتفى بعقله وإبصاره فى ميز ما يشنع.
ثم قد تقدم فى هذه السورة قوله فى قصة موسى عليه السلام:"فلما جاءتهم آياتنا مبصرة " أى بينة واضحة جحدوا بها، وهذا أقبح واضحة أو مرئية مشاهدة بالابصار جحدوا بها وهذا من أقبح مرتكب.
فلما تقدم هذا ناسبه فى قصة لوط عليه السلام قوله:"وأنتم تبصرون " ولقبح هذا التعامى ما أعقب بقوله بعد: "إنكم قوم تجهلون ".
ولما تقدم فى سورتى الأعراف والنمل تقريرهم تقريعا وتوبيخا وعرفوا بذلك مرة بعد مرة وردت قصتهم فى العنكبوت مؤكدة بأن واللام لثبوتها فوردت مورد ما يجئ بعد القسم متلقى به القسم، إذ قد تقدم تقريرهم التوبيخى مرتين فجاء الاخبار بعد بما به يخبر عن المتقرر الثابت ولم يكن ليناسب العكس وهذا على مقتضى الترتيب فى السور والآى فجاء كل على ما يجب.