ولما تقدم فى سورة النمل قوله تعالى:"أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون "أى وقد منحتم بصائر للفه والاعتبار أو أبصارا لإدراك الأشياء وإحراز الحياء المانع من مواقعة العار.
فما أثمر أنس ذلك لكم إلا التعامى عن رشادكم وتمادى عنادكم فختام الآيتين بقوله:"وأنتم تبصرون " وقوله: "بل أنتم قوم تجهلون " فالجملة الفعلية فى خبر المبتدأ فى الأول وفى الصفة الموطئة للخبر فى الثانية مسوغ لتقدير معنى السببية لذلك من الواو فى سورة الأعراف إذ الختم فى الآيتين قبل آية الجواب بالجمل الإسمية: "ما سبقكم بها من أحد من العالمين بل أنتم مسرفون " فليس هذا فى تقدير السببية كالأول فالجواب هنا بالواو وحسن مع جواز الفاء والجواب بالفاء حيث تقدم أقوى لمكان الفعل وكون المعنى عليه فورد على ما يقويه السياق ويشهد له المعنى.
وأما آية العنكبوت فقد تقدم فيها أيضا قوله تعالى:"أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر " فهذه جملة فعلية وتقدير معنى السببية فيها كآية النمل، فالجواب فيها بالفاء كما فى آية النمل أولى وأجرى مع المعنى وما يعطيه السياق وجاء كل ذلك على ما يناسب والله أعلم.
الآية الخامسة عشرة من سورة الأعراف
قوله تعالى:" وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره "وفى سورة هود: "وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره " وفى سورة العنكبوت: "وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله "فاختصت آية العنكبوت بالفاء فى قوله "فقال "فيسأل عن ذلك؟
والجواب عنه: أنه لم يقع فى سورة العنكبوت من ذكر إرسال الرسل ما بنى على أرسلنا ظاهرا ومقدرا منوطا به ذكر المرسل إليهم بحرف الغاية الذى هو "إلى " غير قوله تعالى: " لقد أرسلنا نوحا إلى قومه "وقوله: "وإلى مدين أخاهم شعيبا " وتعلق حرف الغاية فى الأولى بالفعل الظاهر وهو "أرسلنا " وتعلق فى الثانية بأرسلنا المقدر وقد قيل فيما بنى على الأخبار بالإرسال فى الأولى: "فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما " بالفاء فى قوله "فلبث فيهم " فقيل فى الثانية "فقال " بالفاء لتناسب ما ورد فى هذه السورة من ذكر إبراهيم ولوط عليهما السلام فعلى غير البناء على أرسلنا ظاهرا أو مقدرا أو إيصاله إلى المرسل إليهم