(أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، وقولهم:(مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى)(القصص: ٣٦)، وقولهم:(لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا)(الأنفال: ٣١)، إلى ما ورد من متعلقاتهم ومجاوباتهم المشار إليه في قوله:(وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ)(الكهف: ٥٦)، فسماه سبحانه علماً في قوله:(فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)(غافر: ٨٣) بحسب اعتقادهم وظنهم، كما قال تعالى:(أَيْنَ شُرَكَائِيَ)(القصص: ٦٢) أي في زعمهم، وهو سبحانه المنزه عن الشريك والنظير، أو يكون (عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)(غافر: ٨٣) المراد به ما كان لدى من تعاطى النظر منهم فلم يوفق، من استبعاد العودة الأخراوية، وإنكار حشر الأجساد بعد تفرق الأشلاء والأجزاء وصيرورة بعضها غذاء لحيوان آخر ولتفرقها وفنائها، قالوا:(قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)(يس: ٧٨)، وقالوا:(أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)(الإسراء: ٤٩)، وهو نظر مبني على قاعدتين واهيتين، وهما: إنكار القدرة، وإنكار علمه تعالى بالجزيئات وعليهما بنى منكرو حشر الأجساد من الفلاسفة، وهو قول زعيمهم أرسطوا ومن تبعه من المشائين ومن قال بقولهم، وليس مما اتفقوا عليه، فقد نقلوا عن أفلاطون وغيره من زعمائهم مخالفة هذا القول وموافقة المتشرعين في حشر الأجساد، وقد نقلوا عن جالينوس التوقف، وقد رام بعض متفلسفة الإسلام الجمع بين المرتكبين فقال: تحشر الأجساد على تأويل لا يعمله المتشرعون وذلك لما أرغمه من براهين الشريعة. ولما بنى المنكرون مذهبهم على إنكار القدرة والعلم بالجزيئات اطراد في الكتاب العزيز، مهما ذكرت العودة الأخراوي، أن يناط بها وصفه سبحانه بالعلم والقدرة إفصاحاً أو إشارة بينه إطراداً لا ينكسر إرغاماً للمنكر الجاحد وحجة قاطعة بالمعاند، وقال تعالى:(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) إلى قوله: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(الروم: ٢٧)، فوصفه سبحانه بالعزيز إشارة إلى القدرة وأشار قوله:(الحكيم) إلى العلم، وقال تعالى:(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)(يس: ٧٨) ثم قال: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)(يس: ٧٩) فقوله: (يحْيِيهَا) و (أَنْشَأَهَا) إشارة إلىى القدرة، وقد وقع الإفصاح بها بعد في قوله:(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ)(يس: ٨١) وبسط هذا ورد أقوال هؤلاء الكفرة مستوفي في مضانه، وقد شفي في أئمتنا، رضي الله عنهم، وكتاب الله سبحانه (وتعالى) واف لمن وافق لتدبره وأعتباره بالبراهين القاطعة وبخصومنا، فما كان بأيدي من قدم ذكره من الشبهات فيها ذكرنا هو الذي فرحوا به وأعتقدوه علما، فورد التعبير على معتقدهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون، فقد وضع وجه مناسبة هذا لقوله تعالى:(مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) وتبين ما أوجب خصوص كل آية من هذه الأربع ومواضعها، والله أعلم.