للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي إنهم إن تمادوا على شقاقهم فلا فرق بينهم وبين ما تقدمهم من هؤلاء القرون (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ) (الرعد: ٦)، (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) (يونس: ١٠٢)، ثم أتبع سبحانه بذكر شنيع مرتكبهم في استعجالهم العذاب وقولهم: (عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) (ص: ١٦)، فأنبأ تعالى باستحكام كفرهم وتكذبيهم واستهزائهم الموجب لتعجيل أخذهم، ثم أنصرف الكلام إلى أمره سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على معاندتهم وردي مقالتهم، وتذكر أخيه داود والاعتبار بأمره، وتسخيره سبحانه له الجبال، وحشره له الطير منقادة إلى أمره، وإلانته له الحديد، وقلوب الآدميين أهين وأقرب، فلو شاء لهدى هؤلاء كما سخر الجبال لداود (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) (السجدة: ١٣) وهذا وجه ذكر داود، عليه السلام، هنا، لا ما قاله الزمخشري، وقد تقدم (الإيماء) إليه عند قوله تعالى في سورة طه: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) (طه: ١٣٠) ويستوفي عقب هذا بحول الله، فهذا وجه اختصاص آية ص بما ورد فيها من الترتيب في ذكر القرون المهلكة بتكذيبها.

وأما آية ق فوجه الوارد فيها من إتباع ذكر قوم نوح بذكر أصحاب الرس ومخالفة الوارد في سورة ص، إن آية ق قد انفردت عن آية ص بما قصد فيها مفصحاً به، من ذكر تعامي كفار قريش والعرب عن النظر في خلق السماوات والأرض، والاعتبار بمن تقدمهم من الأمم، وأخذهم بتكذيبهم، ففي آية ص ذكر تجبرهم وشقاقهم وطغيانهم، وفي ق ذكر تعاميهم عم الاعتبار والنظر، فبدأ سبحانه بتذكيرهم بذكر حال السماء وإتقانهم فقال: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا) (ق: ٦) إلى قوله: (كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) (ق: ١١)، والمراد أنهم لو وقفوا فأمعنوا النظر في بناء السماء، وتزيينها بما جعل تعالى فيها من نجومها، وسلامتها من فطور أو فروج، وفي امتداد الأرض وإرسائها بالجبال، وإنبات ما فيها من كل زوج بهيج، وإنزال الماء من السماء، وإنبات الجنات وحب الحصيد والنخل الباسقات ذات الطلع النضيد، وإحياء البلاد الميته، وتكرر ذلك عليها، فلو اعتبروا بهذا لاستوضحوا العودة والبعثة، الأخراوية (كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) (ق: ١١)، (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (الأنبياء: ١٠٤)، فلما ذكرهم سبحانه بخلق السماوات والأرض أعقب ذلك تتميماً جارياً على التذكير المتكرر في الكتاب بذكر القرون السالفة المهلكة بتكذيبها فقال: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) (ق: ١٢)، ولما (بني) (ما) تقدم من الاعتبار على الإشارة إلى الاستيفاء (في عجائب الأرض والسماء، ناسب ذلك بناء ذكر من نبه عليه ممن هلك

<<  <  ج: ص:  >  >>