للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بتضييع) نظره واعتباره على الاستيفاء)، فذكر طرفان ليحصل حصر من بينهما أمة ممن تقدم وهم قوم نوح وأمة ممن تأخر وهم أصحاب الرس، ليحصل ما بينهما بإشارة الطرفين كما قال سبحانه في سورة الفرقان: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) (الفرقان: ٣٨)، وهذه الآية وآية ق مشيرتان إلى تأخير أصحاب الرس عن كل من ذكر في الفرقان من الأمم المهلكين بتكذيبهم ممن عين ذكره، والله أعلم.

وقد اختلف المفسرون في أصحاب الرس، والواقع في مختلف أقوالهم في ذلك ثمانية أقوال، ومن جملتها أنهم أصحاب الأخدود، وقيل كانوا قوماً قتلوا نبيهم ورموه في بئر لهم، زاد بعضهم أنه كان اسم نبيهم حنظلة، وقيل هم من قوم شعيب، عليه السلام، وقيل غير ذلك، والمقطوع به ما نطق به القرآن من وجود قرون كثيرة بين قوم نوح وأصحاب الرس، ويظهر من هذا الوارد في سورة ق أن مقصود الآية من استيفاء القرون المأخوذين بتكذيبهم غير وارد في غيرها، ألا ترى أنه قد أفصح فيها بثمانية قرون منصوص عليها، وهم قوم نوح، وأصحاب الرس، وثمود، وعاد، وفرعون، وأخوان لوط، وأصحاب الأيكة، وقوم تبع والمراد هو وقومه، ولم يرد في أوفى المتكرر من الكتاب العزيز غير سبعة. والأكثر ستة، فدل على قصد الاستيفاء في هذه السورة على كل حال، فقد ورد قوم نوح وأصحاب الرس طرفين لمن بينهما من القرون، ومقصود بهما - والله أعلم - استيفاء ما بينهما، إشعاراً، (في هذه الورة وإفصاحاً بكثرة من بيمهما بقوله في سورة الفرقان (وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) (الفرقان: ٣٨).

وأما الوارد بعد الطرفين في سورة ق من ذكر ثمود وعاد ومن ذكر بعد، فقد يكون - والله أعلم - من قبيل ما ورد في القرآن ممن شمله لفظ متقبل غير مصرح ثم نص عليه اعتناء واهتمام مع كونه قد ضمه ذلك اللفظ المتقدم، كقوله تعالى: (وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) (البقرة: ٩٨) بعد دخولها تحت لفظ الملائكة، وعلى كل حال فأصحاب الرس متأخرون عن قرون كثيرة بعد قوم نوح بنص القرآن، والله سبحانه أعلم.

فلما ورد هنا ما يشير إلى الاستيفاء بالاعتبار بهم جرياً مع ما تقدم من استيفاء الاعتبار بعجائب الأرض والسماء قدم ما يحصل بتقديمه ما اشير إليه من الاستيفاء، ولم يكن القصد هنا ما قصد في آية ص، فجاء كل على ما يجب، والله أعلم.

وأما المعقب به كل واحدة من الآيتين من قوله في سورة ص: (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ) (ص: ١٤)، وقوله بعد آية ق: (فَحَقَّ وَعِيدِ) (ق: ١٤)، مراعي في

<<  <  ج: ص:  >  >>