فعد للمؤمنين خصالاً سبعاً جعلهم بها وارثين نعيمة وساكنين جنته فقال:(أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنين: ١٠ - ١١)، وهذا العدد مطرد جار في أشياء يشهد اطراده فيها على قصد حكمة تقتضيها، فمنها ما ذكر آنفاً ومنها أن أم القرآن سبع آيات، والأيام سبع، (والسماوات سبع)، والأرض (سبعة) مثلها، وأبواب جهنم سبعة، (وحد) الإثغار سبعة أعوام، ويعق عن المولود يوم سابعه، ومن مسنوناته، عليه السلام سبع قضايا وعيدية: أولها قوله تعالى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ)(الرحمن: ٣١) إلى قوله: (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)(الرحمن: ٤٤) معقباً فيها كل قضية بقوله تعالى مقرعاً وقامعاً للمعاندين بقوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ).
ثم انصرفت الآي إلى فريق النجاة ووعدهم بما أعد تعالى لهم فقال تعالى:(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)(الرحمن: ٤٦)، واستمرت الآي فيما أعد تعالى لهم وإعطاهم إلى قوله:(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)(الرحمن: ٦٠) مختتمة كل قضية منها بقوله في ثماني كرات في أعقاب ثماني قضايا على ما تقدم: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ). وكانت هذه ثمانية لكونها في أهل الجنة فجاءت على وفق أبوابها، ويشهد لهذا القصد تعقيبها بمثلها عدداً فيما زادهم في قوله تعالى:(وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ)(الرحمن: ٦٢) إلى آخر السورة:، وهي ثماني آيات كعدد ما قبلها معقبة كل آية منها بقوله:(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) رعياً لما ذكرنا. فتحصل في المجموع العدد المتقدم، ولم تكن الزيادة على ذلك لتناسب إذ لا قضية سوى هذه المعقبات، كما أن النقص من هذا العدد لا يناسب لطلب كل قضية لذلك الإعقاب تناسباً وتوازنا على ما تقدم من الرعي، فورد ذلك كله على الوجه الذي لا يناسب خلافه، والله أعلم.
فإن قلت ما وجه اختصاص سورة الرحمن بهذا التعقيب مما هو إيقاظ للغافلين وتنبيه للمؤمنين وتقريع وتوبيخ للغافلين؟ وما وجه ذلك؟ فالجواب:( ....... )