غير عمد مزينة بالنجوم للدلالة ورجم الشياطين، وقد مر التنبيه بما فيها وفي خلقها من العبر، ثم قال:(وَوَضَعَ الْمِيزَانَ)(الرحمن: ٧)، وقد تقدم الكلام في ذلك، ثم قال:(وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)(الرحمن: ١٠) للمشي في مناكبها والاكل مما بث فيها والاعتبار بها وبعجائبها، وعجائب السماوات والأرض أكثر من أن تحصى بالعد، قال تعالى:(إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الجاثية: ٣)، ثم ذكر تعالى بعض ما بثه فيها من الرزق فقال:(فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ)(الرحمن: ١١ - ١٢). ولما كانت هذه النعم مشاهدة للخلائق، ولا طمع لأحد في نسبتها إلى غيره سبحانه، قد شهدت العقول وعرفت انفراده سبحانه بإيجادها واختراعها، أتبع ذلك بتقرير الثقلين وتعجيز الفريقين فقال لهما عقب هذه الضروب الثمانية:(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)(الرحمن: ١٣)، أي أمن هذه ما يمكن للجاحد أن يكذب به ويتعاطاه لغيره سبحانه في وضوح شهادتها لخالقه (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا)(آل عمران: ٨٣)، ثم عرفنا سبحانه بخلقه الثقلين وبالمادة التي أوجد منها كلا من الصنفين فقال:(خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) (الرحمن: ١٤ - ١٥)، أينسب ذلك إلى غيره؟ أيستبد به سواه؟ ثم أتبع سبحانه بأنه (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)(الرحمن: ١٧) أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف إشارة إلى الغايتين في الانتهاء من رأس الجدي إلى رأس السرطان) ثم بخلق البحرين الحلو والمالح والتقائهما وفصلهما، ثم بما يخرج منها للانتفاع والزينة، ثم بتسخير السفن وجريها، ثم بذكر فناء كل من عليها وبقائه سبحانه، ثم بافتقار أهل السماوات والأرض إليه جل وتعالى وسؤالهم إياه شؤونهم وحاجاتهم كل يوم، وأعقب كل قصة من هذه بتقرير الثقلين وتعجيزهم لقيام الحجة عليهم فقال:(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)، وتكررت الآية بتكرر القضايا، وكلها مما لا مطمع لأحد في ادعائه، فقامت الحجة بها، وكانت سبعاً جرياً على سنة ما وقع التنبيه به من تحريك المعتبرين، واطرد هذا العدد في ذلك فقال تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ)(المؤمنين: ١٢) إلى تمام سبعة اطوار آخرها قوله تعالى: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ)(المؤمنين: ١٤)، وقال عقب هذا:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ)(المؤمنين: ١٧). ولما ذكر سبحانه الحالات التعبدية التي بها خلاص المكلفين ذكر سبعاً فقال:(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنين: ١ - ٢)