للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آية آل عمران وفى ثانية الأنفال بقوله "كذبوا " وقال فى الأولى من الأنفال "كفروا ".

ما وجه ذلك؟ والثانى: ما وجه اختلاف الإضافة فى كذبهم وتكذيبهم؟ ففى آل عمران "بآياتنا " وفى الأولى من الأنفال "بآيات الله " وفى الثانية "بآيات ربهم "، والثالث: قوله فى ثانية الأنفال "فأهلكناهم بذنوبهم " وفى الأخريين "فأخذهم الله بذنوبهم "، والرابع: قوله فى سورة آل عمران "والله شديد العقاب "، وفى الأولى من الأنفال "إن الله قوى شديد العقاب " ولم يرد فى الثانية هذا الوصف، والخامس: تفصيل العقاب فى ثانية الأنفال ولم يرد فى الآخريين ذلك التفصيل، والسادس: تعلق المجرور من قوله "كدأب آل فرعون " وليس هذا مما بنى عليه هذا الكتاب إلا أنه تتمة.

والجواب عن الأول: أن آية آل عمران لما تقدم قبلها ذكر تنزيل الكتب الثلاثة والإشارة إلى ما تضمنته من الهدى والفرقان وإنما أتى على من كفر بصده عنها وتكذيبه ناسب ذلك قوله تعالى: "كذبوا بآياتنا " ولما لم يقع فى سورة الأنفال من أولها إلى الآية الأولى من الآيتين ذكر شئ من الكتب المنزلة ولا ذكر إنزالها وإنما تضمنت حال المسلمين مع معاصريهم من كفار العرب ومعظم ذلك فى قتالهم وحربهم ناسب ذلك التعبير بالكفر فقال تعالى "كفروا بآيات الله " ثم لما تلتها الآية الأخرى من غير طول بينهما وقع التعبير فيها بالتكذيب فقال "كذبوا بآيات ربهم " وعدل عن لفظ كفروا لثقل التكرر مع القرب وليحصل وسمهم بالكفر والتكذيب.

والجواب عن السؤال الثانى: أن الآية الأولى من سورة الأنفال إنما جئ فيها بالاسم الظاهر فقيل "كفروا بآيات الله "، لتقدم ذكر الملائكة فى قوله "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم " بنسبة الفعل للملائكة وتقدم أيضا " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم " ولم يتقدم فى آل عمران ذكر فعل لغير الله تعالى ولا نسبة شئ لسواه فجئ بآيات مضافة إلى ضميره تعالى فقال "كذبوا بآياته " على طريقة الالتفات وجاء فى الأنفال "كذبوا بآيات الله " بالإضافة إلى الاسم الظاهر ليعلم أن الأمر له عز وجل وأنه مريهم الآيات ولا فعل إلا له وأن الملائكة مسخرون بأمره وفعلهم من خلقه وتزيين الشيطان لهؤلاء الكفار إنما هو بقدر الله وسابق مشيئته وكل ذلك خلقه وملكه والآيات آياته وله المثل الأعلى وقيل فى الثانية "بآيات ربهم " ليجرى مع ما تقدمه متصلا به من قوله تعالى: "ذلك بأن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم " فذكر ابتداءه بالنعم فناسبه ذكر ملكيته سبحانه لهم

<<  <  ج: ص:  >  >>