للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن الراوي لقي شيخه الذي عنعن عنه، وشافهه بالحديث، فمنهم من ردّه مطلقًا، وشرط أن يرد في الحديث تصريح بالسماع من أول راو في الإسناد إلى آخره، وسبق أن هذا من مذاهب أهل التشديد؛ إذ أنه لن يسلم لنا من الأحاديث إلا القليل.

واشترط بعضهم طول الصحبة بينهما، كما سبق ذلك أيضًا، وهذا أيضًا مذهب متشدّد تُرَدّ به الأحاديث التي حملها الرواة عن شيوخهم أثناء الرحلة، وفي موسم الحجّ، ونحو ذلك.

وذهب الإمام مسلم إلى أنه تقبل عنعنة المتعاصرين، وإن لم يُصَرَّح فيها بالسماع، بشرط أن يكون هناك احتمال قويّ للِّقاء بينهما، وأن لا يرد تصريح بانتفاء سماع هذا الراوي من شيخه الذي يُحدّث به، واستدلّ على ذلك بأحاديث رُويت معنعنةً، ولم يَرِد فيها تصريح بالسماع، وأن أهل العلم بالأخبار قَبِلوها، ولم يردّوا منها شيئًا حسبما زعم، وقد سبق مناقشة ابن رُشيد له في هذا الادَّعاء، وأن الإجماع على خلاف ما ذهب إليه، ومما يُرَدّ به عليه ما سبق له في هذه المقدّمة، من أن الإرسال كان شائعًا في ذلك الوقت، فيلزم من ذلك أنه لا بدّ من وضع قيد ضابط للمسألة، ولا أقلّ في ذلك مما قاله من يشترط اللقاء والسماع، كما نُسب إلى ابن المدينيّ والبخاريّ، وغيرهما، وذلك أن يوجد هناك تصريح جُمْليّ من الراوي أنه سمع من شيخه الذي عنعن عنه، كي يُؤْمَنَ إرساله بشرط انتفاء وصمة التدليس عن هذا الراوي الذي حدّث بالعنعنة، وأن يصحّ السند إليه في الحديث الذي صرّح فيه بالسماع من شيخه ولو مرّة واحدة.

وبالجملة فهذا المذهب الذي وضع هذا القيد والضابط في وقت قد شاع فيه الإرسال أجدر بأن يكون راجحًا على ما ذهب إليه المصنّف من قبول العنعنة بدون القيد المذكور.

والحاصل أن القول باشتراط اللقاء والسماع، ولو لمرّة واحدة هو الحقّ الذي لا مرية فيه، وأن الاكتفاء بمجرد المعاصرة، وإن كان احتمال السماع قويًّا لا يخلو عن تساهل، كما أن اشتراط طول الصحبة تشدّد محض، وخير الأمور الوسط. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

مسائل تتعلّق بما سبق من كلام المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

(المسألة الأولى): في البحث المتعلّق بقوله: "أن خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجة يلزم العمل به إلخ":

(اعلم): أن القول بوجوب الاحتجاج بخبر الواحد العدل مجمع عليه بين جمهور أهل العلم، قال القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تعالى معلّقًا على كلام المصنّف: ما نصّه: هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>