للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي قاله هو مذهب جمهور المسلمين من السلف، والفقهاء والأصوليين، وذهبت الروافض، والقدريّة، وبعض أهل الظاهر إلى أنه لا يجب به عمل. انتهى كلام عياض (١).

قال الجامع: في نسبته المذهب المذكور إلى بعض الظاهرية نظر لا يخفى (٢). والله تعالى أعلم.

وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: "وأجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار -فيما علمت- على قبول خبر الواحد العدل، وإيجاب العمل به إذا ثبت، ولم ينسخه غيره، من أثر، أو إجماع، على هذا جميع الفقهاء في كلّ عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا إلا الخوارج، وطوائف من أهل البدع، شرذمة لا تُعدّ خلافًا. انتهى كلام ابن عبد البرّ (٣).

وقال الحافظ ابن رجب رَحِمَهُ اللهُ تعالى: خبر الواحد الثقة الذي ليس له معارضٌ أقوى منه، فإنه يجب قبوله؛ لأدلّة دلّت على ذلك، وقد يُتوقّف فيه أحيانًا لمعارضته بما يقتضي التوقّف فيه، كما توقّف النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في قول ذي اليدين حتى توبع عليه. انتهى (٤).

وقال العلامة الصنعانيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (اعلم): أن الأقوال في إفادة خبر الواحد العلم ثلاثة، كما ذكره ابن الحاجب، والعضد، وغيرهما:

(الأول): أنه يفيد العلم بنفسه مطّردًا، أي كلما حصل خبر الواحد حصل العلم، وهو قول أحمد بن حنبل رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

(الثاني): أنه يحصل به العلم، ولا يطّرد، أي ليس كلما حصل حصل العلم به.

(الثالث): أنه لا يحصل العلم به إلا بقرينة.

قال العلامة الصنعانيّ -بعد ذكر هذه الأقوال-: والحقّ أن فيه ما يُفيد العلم، كما هو أحد الأقوال، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يبعث الآحاد إلى الأقطار يدعون إلى الإيمان، ولا بدّ فيه من العلم، ولا يكفي فيه الدخول بالظنّ، وكان يترتّب على خبر الآحاد ما يترتّب على ما يفيد العلم، كقبول خبر الوليد بن عقبة في قصّة بني المصطلق، وإرادته غزوهم؛ استنادًا إلى خبره، حتى أنزل الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية


(١) "إكمال المعلم" ١/ ١٦٨.
(٢) راجع ما كتبه الإمام أبو محمد بن حزم في هذا الموضوع في كتابه الممتع "إحكام الإحكام" في الأصول، فقد أطال البحث في ذلك ١/ ١١٥ - ١٣٢.
(٣) "التمهيد" ١/ ٢.
(٤) راجع "فتح الباري" للحافظ ابن رجب في آخر شرح حديث رقم (١٢٢٧) ج ١ / ص ٤٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>