للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأدائها، وأمر أن يؤدّيها، ولو واحدٌ، دلّ على أنه لا يؤمر من يؤدّي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أُدِّيَ إليه؛ لأنه إنما يُؤَدَّى عنه حلالٌ يؤتي، وحرامٌ يُجتنب، وحدٌّ يُقام، ومالٌ يؤخذ ويُعطَى، ونصيحة في دين ودنيا. ودلّ على أنه قد يَحمل الفقه غيرُ الفقيه، يكون له حافظًا، ولا يكون فيه فقيهًا. وأَمْرُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلزوم جماعة المسلمين مما يُحتجّ به في أن إجماع المسلمين لازم. انتهى.

والمقصود أن خبر الواحد العدل لو لم يُفد علمًا لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا يَقبَلَ من أُدِّي إليه إلا من عدد التواتر الذي لا يحصُلُ العلم إلا بخبرهم، ولم يدع للحامل المؤدّي إن كان واحدًا؛ لأن ما حمله لا يُفيد العلم، فلم يَفعل ما يستحقّ الدعاء وحده إلا بانضمامه إلى أهل التواتر، وهذا خلاف ما اقتضاه الحديث، ومعلومٌ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما ندب إلى ذلك، وحثّ عليه، وأمر به لتقوم الحجة على من يُؤَدَّى إليه، فلو لم يُفد العلم لم يكن فيه حجة.

(الدليل السابع عشر): حديث أبي رافع -رضي الله عنه- الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا أُلفيَنّ أحدًا منكم، متّكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري يقول: لا ندري ما هذا؟ بيننا وبينكم القرآن، ألا وإني أُوتيت الكتاب، ومثله معه". ووجه الاستدلال أن هذا نهيٌ عامّ لكلّ من بلغه حديثٌ صحيحٌ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخالفه، أو يقول: لا أقبل إلا القرآن، بل هو أمرٌ لازمٌ، وفرضٌ حتمٌ بقبول أخباره، وسننه، وإعلام منه -صلى الله عليه وسلم- أنها من الله، أوحاها إليه، فلو لم تُفد علمًا لقال من بَلَغَتْهُ: إنها أخبار آحاد لا تفيد علمًا، فلا يلزمني قبول ما لا علم لي بصحَّته، والله تعالى لم يكلّفني العملَ بما لم أعلم صحّته، ولا اعتقاده، بل هذا بعينه هو الذي حذر منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته، ونهاهم عنه، ولَمّا علم أن في هذه الأمة من يقوله حذّرهم منه، فان القائل: إن أخباره لا تفيد العلم هكذا يقول سواء: ما هذه الأحاديث، وكان سلف هؤلاء يقولون: بيننا وبينكم القرآن، وخلفهم يقولون: بيننا وبينكم أدلّة العقول، وقد صرّحوا بذلك، وقالوا: نقدّم العقول على هذه الأحاديث، آحادها ومتواترها، ونقدّم الأقيسة عليها.

(الدليل الثامن عشر): ما رواه مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال: كنت أسقي أبا عُبيدة بن الجرّاح، وأبا طلحة الأنصاريّ، وأُبيّ بن كعب شرابًا من فَضِيخ، فجاءهم آتٍ، فقال: إن الخمر قد حُرّمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الْجِرار، فاكسرها، فقمت إلى مِهْرَاس لنا، فضربتها بأسفله، حتى كسرتها.

ووجه الاستدلال أن أبا طلحة أقدم على قبول خبر التحريم، حيث ثبت به

<<  <  ج: ص:  >  >>