للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في نفس الأمر، ولم يُخبروا عن الربّ تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله بما لا علم لهم به، بل يجوّزون أن يكون كذبًا وخطأ في نفس الأمر، هذا مما يَقطَع ببطلانه كلُّ عالم ببطلانه.

(الدليل الحادي والعشرون): أن خبر العدل الواحد الْمُتَلَقَّى بالقبول لو لم يفد العلم لم تجُز الشهادة على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بمضمونه، ومن المعلوم المتيَقَّن أن الأمة من عهد الصحابة إلى الآن لم تزل تشهد على الله، وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بمضمون هذه الأخبار، جازمين بالشهادة في تصانيفهم، وخطابهم، فيقولون: شرع الله كذا وكذا على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلو لم يكونوا عالمين بصدق تلك الأخبار، جازمين بها لكانوا قد شَهِدوا بغير علم، وكانت شهادة زور، وقولًا على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بغير علم، ولعمر الله هذا حقيقة قولهم، وهم أولى بشهادة الزور من سادات الأمة وعلمائها.

قال أبو عمرو بن الصلاح، وقد ذكر الحديث الصحيح المتلقَّى بالقبول المتّفق على صحّته: وهذا القسم جميعه مقطوع بصحّته، والعلم اليقينيّ النظريّ واقع به، خلافًا لقول من نفى ذلك، محتجّا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظنّ، وإنما تلقّته الأمة بالقبول؛ لأنه يجب عليهم العمل بالظنّ، والظنّ قد يُخطىء. قال: وقد كنت أميل إلى هذا، وأحسبه قويّا، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أَوّلًا هو الصحيح؛ لأن ظنّ من هو معصوم من الخطإ لا يُخطىء، والأمة في إجماعها معصومة من الخطإ، ولهذا كان الإجماع المبنيّ على الاجتهاد حجةً، مقطوعًا بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك. وهذه نكتة نفيسة نافعة. انتهى.

وقال إمام عصره المجمع على إمامته، أبو المظفّر، منصور بن محمد السمعانيّ في كتاب "الانتصار" له: ما خلاصته:

إذا صحّ الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورواه الثقات والأئمة، وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وتلقّته الأمة بالقبول، فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم، هذا قول عامّة أهل الحديث، والمتقنين من القائمين على السنّة، وأما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال، فلا بدّ من نقله بطريق التواتر؛ لوقوع العلم به حتى أخبر عنه القدريّة، والمعتزلة، وكان قصدهم منه ردّ الأخبار، وتلقّفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت، ولم يَقِفوا على مقصودهم من هذا القول.

ولو أنصف أهل الفِرَق من الأمّة لأقرّوا بأن خبر الواحد قد يوجب العلم، فإنك تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدلّ كلُّ فريق منهم على صحّة ما يذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>