للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(منها): أنه بَعَثَ عليّا لينادي في موسم الحجّ بمنًى: "ألا لا يحجّنّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عهدٌ، فمدّته إلى أربعة أشهر، ولا يدخل الجنّة إلا نفسٌ مسلمة". ولا بُدّ في هذه الأشياء من وقوع العلم للقوم الذين كان يناديهم حتى إن أقدموا على شيء من هذا بعد سماع هذا القول، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبسوط العذر في قتالهم، وقتلهم، وكذلك بعث معاذا إلى اليمن ليدعوهم إلى الإسلام، ويعلّهم إذ أجابوا شرائعه، وبعث إلى أهل خيبر في أمر القتيل واحدًا يقول: إما أن تَدُوا، أو تؤذنوا بحرب من الله ورسوله، وبعث إلى قريظة أبا لبابة بن عبد المنذر يستنزلهم على حكمه، وجاء أهلَ قباء واحدٌ، وهم في مسجدهم يصلّون، فأخبرهم بصرف القبلة إلى المسجد الحرام، فانصرفوا إليه في صلاتهم، واكتفوا بقوله، ولا بدّ في مثل هذا من وقوع العلم به.

وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يرسل الطلائع، والجواسيس في بلاد الكفر، ويقتصر على الواحد في ذلك، ويَقبَل قوله إذا رجع، وربّما أقدم عليهم بالقتل والنهب بقوله وحده، ومن تدبّر قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وسيرته لم يخف عليه ما ذكرناه، وما يَرُدّ هذا إلا مكابرٌ، أو معاند. ولو أنك وضعت في قلبك أنك سمعت الصدّيق، والفاروق رضي الله تعالى عنهما، أو غيرهما من وجوه الصحابة، يروي لك حديثًا عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أمر من الاعتقاد، من جواز الرؤية على الله، وإثبات القدر، أو غير ذلك، لوجدت قلبك مطمئنّا إلى قوله، لا يداخلك شكّ في حدقه، وثبوت قوله، وفي زماننا ترى الرجل يسمع من أستاذه يُخبر عن شيء من عقيدته التي يريد أن يلقى الله بها، فيحصُلُ للسامع علم بمذهب من نقل عنه أستاذه ذلك، بحيث لا يختلجه شبهةٌ، ولا يَعتريه شكّ، وكذلك كثير من الأخبار التي قضيّتها العلم توجد بين الناس، فيحصل لهم العلم بذلك الخبر، ومن رجع إلى نفسه علم بذلك. انتهى ما كتبه ابن القيّم، منقولًا من "مختصر الصواعق المرسلة" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما سبق من بيان الأدلّة أن الحقّ والصواب هو ما عليه مُحقِّقُو أهل السنّة والجماعة، من أن خبر الواحد الصحيح حجة ملزمة يفيد العلم والعمل جميعًا، ، وأن من خصّ ذلك بما في "الصحيحين" فقد خالف الصواب، وإن نسبه بعضهم إلى الجمهور، فكن مع الأدلّة، وإن كان القائلون بها قلّة، ولا تسلُك خلافها، وإن سلكه جِلّة الفقها، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل، وهو الأعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): في البحث المتعلّق بقوله: "وَالْمُرْسَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي أَصْلِ


(١) "مختصر الصواعق المرسلة" ٢/ ٣٩٤ - ٤٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>