للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلنَا، وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ":

(اعلم): أن المرسل في اللغة اسم مفعول، جمعه مراسيل بإثبات الياء وحذفِها، مأخوذ من الإرسال، وهو الإطلاق، وعدم المنع، قال عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} الآية [مريم: ٨٣]، فكأن المرسِلَ أطلق الإسناد، ولم يُقيّده براو معروف، أو من قولهم: ناقةٌ مِرْسالٌ: أي سريعة السير، كأن المرسِلَ أسرع فيه عَجِلًا، فحذف بعض إسناده، قال كعب بن زُهير [من البسيط]:

أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضٍ لَا يُبَلِّغُهَا ... إِلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ

أو من قولهم: جاء القوم أرسالًا: أي متفرّقين؛ لأن بعض الإسناد منقطع من بقيّته (١).

وأما اصطلاحًا فهو ما رفعه التابعيّ مطلقًا كبيرًا كان أو صغيرًا إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مطلقًا، قولًا كان، أو فعلًا، أو تقريرًا، أو نحوها، هذا الصحيح في تعريفه، وقيل: هو ما رفعه التابعيّ الكبير، وهو الذي جلُّ روايته عن الصحابة -رضي الله عنهم-. وقيل: هو ما سقط من سنده راو واحد، أو أكثر، سواء كان من أوله، أو وسطه، أو آخره، وهو مذهب الفقهاء والأصوليين، وأبي بكر الخطيب، وجماعة من المحدّثين، كأبي داود، والنسائيّ، والحاكم، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والدارقطنيّ، والبغويّ، والبيهقيّ، وغيرهم.

ثم اختلفوا في حكمه:

فذهب جماعة إلى أنه لا يُحتجّ به، وإليه ذهب الإمام الشافعيّ، ويقال: إنه أول من ردّ المرسل، كما سيأتي في كلام أبي داود، وهو مذهب أهل الحديث قاطبةً، كما نصّ عليه مسلم في كلامه السابق، وابن عبد البرّ في "التمهيد"، وحكاه الحاكم عن ابن المسيّب، ومالك، وهو قول كثير من الفقهاء والأصوليين، وأهل النظر.

واستدلّوا بجهل حال المحذوف؛ لأنه يحتمل أن يكون غير صحابيّ، وإذا كان كذلك، فيحتمل أن يكون ضعيفًا، ويحتمل أن يكون ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون حمله عن تابعيّ آخر، وهكذا فيعود الاحتمال المذكور، ويتعدّد أما بالتجويز العقليّ فإلى ما لا نهاية له، وأما بالاستقراء فإلى ستة أو سبعة، وهو أكثر ما وُجد من رواية التابعين بعضِهم عن بعض. أفاده الحافظ (٢).


(١) راجع "فتح المغيث" ١/ ١٥٧.
(٢) راجع "النزهة" بحاشية "لقط الدرر" ص ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>