للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواته، والبحث عنهم، ومن أرسل مع علمه ودينه وإمامته وثِقَته فقد قطع لك بصحّته، وكفاك النظر فيه.

ومحلّ الخلاف فيما قيل إذا لم ينضمّ إلى الإرسال ضعفٌ في بعض رواته، وإلا فهو أسوأ حالًا من مسند ضعيف جزمًا، ولذا قيل: إنهم اتفقوا على اشتراط ثقة المرسِل، وكونه لا يرسل إلا عن الثقات. قاله ابن عبد البرّ، وأبو الوليد الباجيّ من المالكية، وأبو بكر الرازيّ من الحنفيّة.

ومن الْحُجج لهذا القول أن احتمال الضعف في الواسطة حيث كان تابعيًّا لا سيّما بالكذب بعيدٌ جدًّا، فإنه -صلى الله عليه وسلم- أثنى على عصر التابعين، وشهد له بعد الصحابة بالخيريّة، ثم للقرنين بعده، بحيث استُدلّ بذلك على تعديل أهل القرون الثلاثة، وإن تفاوتت منازلهم في الفضل، فإرسال التابعيّ، بل ومن اشتمل عليه باقي القرون الثلاثة الحديثَ بالجزم من غير وُثوق بمن قاله مناف لها، مع كون المرسل عنه ممن اشترك معهم في هذا الفضل. قاله السخاويّ (١).

وإلى ما سبق من تعريف المرسل، والاختلاف في حكمه أشرت في "الشافية" بقولي:

مَا رَفَعَ التَّابِعُ مُطْلَقًا إِلَى ... نَبِيِّنَا هُوَ الْمُسَمَّى مُرْسَلَا

وَقِيلَ بَلْ كَبِيرُهُمْ أَوْ مُطْلَقُ ... مُنْقَطِعٍ كَذَا الْخِلَافَ حَقَّقُوا

وَالأَرْجَحُ الأَوَّلُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا ... فِي حُكْمِهِ فَالأَكْثَرُون ضَعَّفُوا

ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ عَنْ جَمَاعَةِ ... أَهْلِ الْحَدِيثِ سَاكِنِي الْمَدِينَةِ

مِثْلُ سَعِيدٍ مَالِكٍ وَالزُّهْرِي ... وَالشَّافِعِي وَأَحْمَدَ الأَبَرِّ

كَذَاكَ الاوْزَاعِي وَفِي أَكْثَرِ مَا ... ذَكَرَ يُنْظَرُ فَلَيْسَ مُحْكَمَا

وَلَا يَصِحُّ عَنْهُمُ الطَّعْنُ عَلَى ... إِطْلَاقِهِ بَلَى لِبَعْضٍ نُقِلَا

وهَكَذَا قِيلَ وَلَكِنْ مُسْلِمُ ... أَطْلَقَهُ هُنَا فَسَلِّمْ تَسْلَمُ

عَزَاهُ لِلْمُحَدِّثِينَ مُطْلَقَا ... فَضُعْفُهُ لَدَيْهِمُ تَحَقَّقَا

وَشَرَطَ الْحَبْرُ الإِمَامُ الشَّافِعِي ... فِي مُرْسَلٍ يَقْبَلُهُ عَنْ تَابِعِي

عَدَمَ نَقْلِهِ لِمَنْ لَا يُقْبَلُ ... وَعَدَمَ الْخِلَافِ حِينَ يَنْقُلُ

لِسَائِرِ الْحُفَّاظِ فِيمَا أَسْنَدَا ... وَكَوْنَهُ مِنَ الْكِبَارِ اعْتَمَدَا

وَأَيْضًا اشْتَرَطَ فِي مُرْسَلِهِ ... كَوْنَهُ مَعْضُودًا بِمُرْسِي أَصْلِهِ

تَعْضِدُهُ أَشْيَاءُ مِنْهَا الأَقْوَى ... كَوْنُهُ مُسْنَدًا بِوَجْهٍ أَقْوَى


(١) راجع "فتح المغيث" ١/ ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>