للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَاكَ مُرْسَلٌ أَتَى عَمَّنْ نَقَلْ ... عَنْ غَيْرِ مَنْ مُرْسِلُ ذَا عَنْهُ حَمَلْ

كَذَاكَ إِنْ وَافَقَهُ مَا قَدْ وَرَدْ ... عَنْ بَعْضِ أَصْحَاب النَّبِيِّ الْمُعْتَمَدْ

كَذَاكَ إِنْ وَافَقَهُ مَا نُقِلَا ... عَنْ جُلَّ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْضًا قُبِلَا

هَذَا خُلَاصَةُ مَقَالِ الشَّافِعِي ... فِي مُرْسَلٍ يَقْبَلُهُ يَا سَامِعِي

وَهْوَ لَدَى الْحُجَّةِ دُونَ الْمُتَّصِلْ ... وَنَحْوُ مَا قَالَهُ أَيْضًا قَدْ نُقِلْ

عَنْ غَيْرِهِ مِنْ جُلِّ أَهْلِ الْعِلْمِ ... كَنَجْلِ حَنْبَلٍ حَلِيفِ الْحِلْمِ

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): اشتهر عن الشافعي أنه لا يَحتَجّ بالمرسل إلا مراسيل سعيد بن المسيب، قال النوويّ في "شرح المهذّب"، وفي "الإرشاد": والإطلاق في النفي والإثبات غلط، بل هو يَحتَجّ بالمرسل بالشروط المذكورة، ولا يحتج بمراسيل سعيد إلا بها أيضًا، قال: وأصل ذلك أن الشافعي قال في "مختصر المزني": أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "نَهَى عن بيع اللحم بالحيوان"، وعن ابن عباس: أن جَزُورًا نَحِرت على عهد أبي بكر، فجاء رجل بعناق، فقال: أعطوني بهذه العناق، فقال أبو بكر: لا يصلح هذا، قال الشافعي: وكان القاسم ابن محمد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، يُحَرِّمون بيع اللحم بالحيوان، قال: وبهذا نأخذ، ولا نعلم أحدا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خالف أبا بكر الصديق، وإرسالُ ابن المسيب عندنا حسن.

فاختلف أصحابنا في معنى قوله: "وإرسال ابن المسيب عندنا حسن" على وجهين، حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "اللمع"، والخطيب البغدادي وغيرهما:

[أحدهما]: معناه أنها حجة عنده بخلاف غيرها من المراسيل، قالوا: لأنها فُتِّشَت، فوجدت مسندة.

[والثاني]: أنها ليست بحجة عنده، بل هي كغيرها، قالوا: وإنما رَجّح الشافعي بمرسله، والترجيح بالمرسل جائز، قال الخطيب: وهو الصواب، والأول ليس بشيء؛ لأن في مراسيله ما لم يوجد مسندًا بحال من وجه يصح، وكذا قال البيهقي، قال: وزيادة ابن المسيب في هذا على غيره أنه أصح التابعين إرسالًا فيما زعم الحفاظ، قال النوويّ: فهذان إمامان حافظان فقيهان شافعيان، متضلعان من الحديث والفقه والأصول، والْخِبْرَة التامة بنصوص الشافعي، ومعاني كلامه.

قال: وأما قول القفال: مرسل ابن المسيب حجة عندنا، فهو محمول على

<<  <  ج: ص:  >  >>