للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفصيل المتقدم، قال: ولا يصح تعلّق من قال: إنه حجة بقوله: إرساله حسن؛ لأن الشافعي لم يَعتَمِد عليه وحده، بل لِمَا انضم إليه من قول أبي بكر، ومن حضره من الصحابة، وقول أئمة التابعين الأربعة الذين ذكرهم، وهم أربعة من فقهاء المدينة السبعة. وقد نَقَل ابنُ الصباغ وغيره هذا الحكم عن تمام السبعة، وهو مذهب مالك وغيره، فهذا عاضد ثان للمرسل.

وقال البلقيني: ذكر الماوردي في "الحاوي": أن الشافعي اختَلَفَ قوله في مراسيل سعيد، فكان في القديم يحتج بها بانفرادها؛ لأنه لا يُرسل حديثا إلا يوجد مسندًا، ولأنه لا يَروِي إلا ما سمعه من جماعة، أو من أكابر الصحابة، أو عضده قولهم، أو رآه منتشرا عند الكافّة، أو وافقه فعل أهل العصر، وأيضا فإن مراسيله سُبِرَت، فكانت مأخوذة عن أبي هريرة؛ لما بينهما من الوصلة والصِّهَارة، فصار إرساله كإسناده عنه، ومذهب الشافعي في الجديد أنه كغيره.

ثم هذا الحديث الذي أورده الشافعي من مراسيل سعيد يصلح مثالًا لأقسام المرسل المقبول؛ فإنه عضده قول صحابي، وأفتى أكثر أهل العلم بمقتضاه، وله شاهد مرسل آخر، أرسله مَنْ أخذ العلم عن غير رجال الأول، وشاهد آخر مسند، فَرَوى البيهقي في "المدخل" من طريق الشافعي، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن القاسم بن أبي بَزَّة قال، قَدِمتُ المدينة، فوجدت جَزُورًا قد جُزرت، فجزئت أربعة أجزاء، كلّ جزء منها بعناق، فأردت أن أبتاع منها جزءًا، فقال لي رجل من أهل المدينة: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "نَهَى أن يباع حي بميت"، فسألت عن ذلك الرجل، فأُخبرت عنه خيرًا، قال البيهقي: فهذا حديث أرسله سعيد بن المسيب، ورواه القاسم بن أبي بزة عن رجل من أهل المدينة مرسلًا، والظاهر أنه غير سعيد، فإنه أشهر من أن لا يعرفه القاسم بن أبي بزة المكي، حتى يسأل عنه، قال: وقد رَوَيناه من حديث الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلا أنّ الحفاظ اختلفوا في سماع الحسن من سمرة في غير حديث العقيقة، فمنهم من أثبته، فيكون مثالًا للفصل الأول -يعني ما له شاهد مسند، ومنهم من لم يُثبته، فيكون أيضًا مرسلًا انضم إلى مرسل سعيد. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: إن لم يكن في الباب دليل سوى المرسل، فثلاثة أقوال للشافعي، ثالثها: -هو الأظهر- يجب الانكفاف لأجله. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

<<  <  ج: ص:  >  >>