للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين؛ لأن البراء لم يشهد بدرًا. ذكر هذا كلّه في "التدريب" (١).

(الخامس): أن الحافظ رحمه الله قسم المدلّسين في رسالته خمسة أقسام، وقد ذكرتُ ذلك، في نظمي لتلك الرسالة، فقلت:

أَوَّلُهَا مَنْ لَيْسَ يُوصَفُ بِذَا ... إِلَّا بنُدْرَةٍ فَقُلْ يَا حَبَّذَا

وَالثَّانِ مَنْ تَحْتَمِلُ الأَئِمَّةُ ... لِكَوْنِهِ قَلَّلَ وَهْوَ قُدْوَةُ

ثَالِثُهَا مَنْ أَكْثَرُوا فَأُهْمِلُوا ... إِلاَّ إِذَا السَّمَاعُ مِنْهُمْ يُنْقَلُ

وَرَدَّهُمْ بَعْضٌ وَبَعْضٌ قَبِلَا ... مِنْهُمْ عَلَى الإِطْلَاقِ فِيهِمَا انْجَلَى

رَابِعُهَا مَنْ بِاتِّفَاقٍ طُرِحُوا ... إِلَّا إِذَا السَّمَاعَ حَقًّا صَرَّحُوا

لِكَثْرَةِ التَّدْلِيسِ عَمَّنْ جُهِلَا ... وَالضُّعَفَاءِ فَاحْذَرَنْ أَنْ تَنْقُلَا

خَامِسُهَا مَنْ ضُعْفُهُمْ قَدْ نَجَمَا ... بِمَا سِوَى التَّدْلِيسِ فَارْدُدْ دَائِمَا

إِلَّا إِذَا وُثِّقَ مَنْ ضُعْفُهُ قَلّ ... فَاقْبَلْ لِمَا سَمَاعُهُ نَصًّا حَصَلْ

(المسألة الثامنة): في البحث المتعلّق بقوله: "فيُخبرون بالنزول إن نزلوا، وبالصعود إن صَعِدوا"، وهو النوع المسمّى في "مصطلح أهل الحديث" بـ"العالي والنازل":

(اعلم): أن الإسناد خِصِّيصَة فاضلة لهذه الأمة، ليست لغيرها من الأمم، قال الإمام ابن حزم رحمه الله: نَقلُ الثقة عن الثقة يبلغ به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع الاتصال، خَصّ الله به المسلمين، دون سائر الملل، وأما مع الإرسال والإعضال، فيوجد في كثير من اليهود، لكن لا يقربون فيه من موسى قربنا من محمد -صلى الله عليه وسلم-، بل يَقِفُون بحيث يكون بينهم وبين موسى أكثر من ثلاثين عصرًا، وإنما يبلغون إلى شمعون ونحوه، قال: وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق فقط، وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب أو مجهول العين، فكثير في نقل اليهود والنصارى، قال: وأما أقوال الصحابة والتابعين فلا يمكن اليهود أن يبلغوا إلى صاحب نبي أصلًا، ولا إلى تابع له، ولا يمكن النصارى أن يصلوا إلى أعلى من شمعون وبولس.

وقال أبو علي الْجَيّاني: خَصّ الله تعالى هذه الأمة بثلاثة أشياء، لم يعطها مَن قبلها: الإسناد، والأنساب، والإعراب.

ومن أدلة ذلك ما رواه الحاكم وغيره عن مطر الوراق في قوله تعالى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} قال: إسناد الحديث (٢).


(١) راجع "تدريب الراوي" ١/ ٢٢٣ - ٢٣٢.
(٢) راجع "التدريب" ٢/ ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>