للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحافظ السخاويّ رحمه الله: وقد روينا من طريق أبي العبّاس الدّغُوليّ، قال: سمعت محمد بن حاتم بن المظفّر يقول: إن الله قد أكرم هذه الأمة، وشرّفها، وفضّلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، إنما هو صُحُف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل، وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات، وهذه الأمة إنما تنصّ الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشدّ البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسةً لمن فوقه ممن كان أقلّ مجالسةً، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهًا، أو أكثر حتى يُهذّبوه من الغلط والزلل، ويَضبِطوا حروفه، ويعُدّوه عدّا، فهذا من أفضل نعم الله على هذه الأمّة، فنستوزع الله شكر هذه النعمة (١).

وقال أبو حاتم الرازيّ: لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أُمناء يحفظون آثار الرسول إلا في هذه الأمّة (٢).

وعند الحاكم في ترجمة عبد الله بن طاهر من "تاريخه" بسنده إلى إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ قال: كان عبد الله بن طاهر إذا سألني عن حديث، فذكرته له بلا إسناد، سألني عن إسناده، ويقول: رواية الحديث بلا إسناد من عمل الزَّمْنَى، فإن إسناد الحديث كرامة من الله عز وجل لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- (٣).

وإلى ما سبق أشار السيوطيّ في "ألفيّة الحديث" بقوله:

قَدْ خُصَّتِ الأُمَّةُ بِالإِسْنَادِ ... وَهْوَ مِنَ الدِّينِ بِلَا تَرْدَادِ

[تنبيه]: (اعلم): أن طلب علو الإسناد سنة، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف؛ لأن أصحاب عبد الله -يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- كانوا يرحلون من الكوفة إلى المدينة، فيتعلمون من عمر -رضي الله عنه-، ويسمعون منه. وقال محمد بن أسلم الطوسي: قُرْب الإسناد قُرْبٌ، أو قربة إلى الله، ولهذا استحبت الرحلة.

قال أبو عبد الله الحاكم: إن طلب العلوّ سنة صحيحة عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، متمسّكًا في ذلك بحديث أنس -رضي الله عنه- في مجيىء ضمام بن ثعلبة إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "أتانا رسولك، فزعم كذا .... " الحديث رواه مسلم، قال: ولو كان طلب العلو غير مستحب لأنكر عليه سؤاله لذلك، ولأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه، قال: وقد رحل في


(١) "شرف أصحاب الحديث" ص ٤٣ و"فتح المغيث" ٣/ ٣٣١ - ٣٣٢.
(٢) "شرف أصحاب الحديث" ص ٤٠.
(٣) "فتح المغيث" ٣/ ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>