للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنه كان يُحدّث من حفظه أيضًا، فيُخشى عليه الغلط.

[الرابع]: حفظ الراوي، فإن كان يحدِّث من حفظه اعتُبر حفظه لما يحدّث به، لكن إن كان يحدّث باللفظ اعتُبر حفظه لألفاظ الحديث، وإن كان يُحدّث بالمعنى اعتُبر معرفته بالمعنى واللفظ الدال عليه كما تقدّم، وإن كان يحدّث من كتابه اعتُبر حفظه لكتابه.

[الخامس]: أن يكون في حديثه الذي لا ينفرد به يوافق الثقات في حديثهم، فلا يُحدّث بما لا يوافق الثقات، وهذا الذي ذكره معنى قول كثير من الأئمة الحفّاظ في الجرح في كثير من الرواة: يحدّث بما يُخالف الثقات، أو يُحدّث بما لا يتابعه الثقات عليه، لكن الشافعيّ اعتَبَرَ أن لا يُخالفه الثقات، ولهذا قال بعد هذا الكلام: بريئًا أن يُحدّث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بما يحدّث الثقات خلافه، وقد فسّر الشافعيّ الشّاذّ من الحديث بهذا، قال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعيّ يقول: ليس الشاذّ من الحديث أن يروي الثقة حديثًا لم يروه غيره، إنما الشاذّ من الحديث أن يروي الثقات حديثًا، فيشذّ عنهم واحد، فيُخالفهم. وأما أكثر الحفّاظ المتقدّمين، فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد، وإن لم يرو الثقات خلافه: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علّة فيه اللهمّ إلا أن يكون ممن كثر حفظه، واشتهرت عدالته وحديثه، كالزهريّ ونحوه، وربّما يستنكرون بعض تفرّدات الكبار أيضًا، ولهم في كلّ حديث نقدٌ خاصّ، وليس عندهم لذلك ضابطٌ يضبطه. قال صالح بن محمد الحافظ: الشاذّ الحديث المنكر الذي لا يُعرف. وسيأتي البحث في هذا مستوفىً عند ذكر مسلم لعلامة الحديث المنكر، إن شاء الله تعالى.

[السادس]: أن لا يكون مدلِّسًا، فين كان مدلّسًا يحدّث عمن رآه بما لم يسمعه منه، فإنه لا يُقبل منه حديثه، حتى يُصرّح بالسماع ممن روى عنه. وهذا الذي ذكره الشافعيّ قد حكاه يعقوب بن شيبة عن يحيى بن معين. وقال الشاذكونيّ: من أراد التديّن بالحديث، فلا يأخذ عن الأعمش، ولا عن قتادة إلا ما قالا: سمعناه. وقال البرديجيّ: لا يُحتجّ من حديث حميد إلا ما قال: حدثنا أنس. ولم يَعتبر الشافعيّ أن يتكرّر التدليس من الراوي، ولا أن يَغلِب على حديثه، بل اعتبر ثبوت تدليسه، ولو بمرّة واحدة، واعتبر غيره من أهل الحديث أن يَغلبَ التدليس على حديث الرجل، وقالوا: إذا غلب عليه التدليس لم يُقبل حديثه حتى يقول: حدثنا، وهذا قول ابن المدينيّ، حكاه يعقوب ابن شيبة عنه (١).


(١) وهذا الذي قاله ابن المديني، ويعقوب بن شيبة هو الذي يذهب إليه مسلم في كلامه الآتي إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>