للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مَا فِيهِ) أي من الجرح الذي يمنع قبول روايته (لِغَيْرِهِ) من السامعين (مِمَّنْ جَهِلَ) بكسر الهاء (مَعْرِفَتَهُ) أي معرفة حاله من الضعف (كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ) أي لسكوته على المنكر، وقد أمره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بإزالته، فقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

(غَاشًّا) اسم فاعل من غَشّه غَشّا، من باب نصر، والاسم الْغِشّ بالكسر: أي لم يَنصحه، وزيّن له غير المصلحة. قاله الفيّوميّ (لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ) "العوام": جمع عامّة، وهو خلاف الخاصّة، مثلُ دابّة ودوابّ، والهاء في "العامّة" للتأكيد. قاله الفيّوميّ. وإضافة "عوام" للمسلمين بمعنى "من". والمراد بالعوام هنا من ليس لهم دراية بأحوال الرواة.

والمعنى أن من أقدم على الرواية عن هؤلاء يصير غاشّا للمسلمين، وقد ذمّ الشارع الغاشّ، فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "من غشّ فليس منّي"، وفي لفظ الترمذي: "من غشّنا، فليس منّا". وأيضًا ترك الواجب عليه نحو المسلمين، وهو النصيحة لهم، وقد أخرج مسلم من حديث تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة"، قلنا: لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم".

قال العلّامة الجزائريّ رحمه الله تعالى: وإنما قصر مسلم غشّهم على عوامّ المسلمين، مع أن كثيرًا من خواصّهم قد لحقهم من ذلك ما لحق عوامّهم؛ لأن الخواصّ كان يمكنهم أن يقفوا على حقيقة الأمر، ولكنهم قصّروا، فكأنه جعلهم هم الغاشّين لأنفسهم، فإن كثيرًا منهم كان إذا رأى حديثًا قد ذكره أحد أولئك الغاشّين للأمة في دينها من غير بيان لحاله، فإن كان موافقًا لرأيه، أو لرأي من يَهْوَى أن ينتصر له، كيفما كان الحال، بادر لنقله، ونشره، والاستشهاد به من غير بحث عنه، مع معرفته بأن في كثير مما يُروى الموضوعَ والضعيفَ الذي اشتدّ ضعفه، وإن كان مخالفًا لرأيه، أو لرأي من يحبّ أن ينتصر له، فإن وجده غير قابل للتأويل على وجه يوافق ما يذهب إليه تركه، وكثيرًا ما يخطر في باله أن مخالفه ربّما وقف عليه، واستند إليه، فيُعِدّ له حينئذ تأويلًا ربما كان هو أول الضاحكين على نفسه منه، وذلك استعدادًا لهجوم الخصم قبل أن يَهْجُم عليه، وإن وجده قابلًا للتأويل على وجه يوافق ما يَهوَاه تساوى عنده الحالات، وسكنت نفسه، ومن نظر في الكتب المؤلّفة في تخريج الأحاديث المذكورة في كثير من كتب الكلام، أو الفقه، أو الأصول، أو التفسير رأى من كثرة الأحاديث الضعيفة الواهية التي يوردونها للاحتجاج أمرًا هائلًا، وقد حكم أهل البصيرة من العلماء

<<  <  ج: ص:  >  >>